لم يعد الاقتصاد البوليفي على ما يرام. وفيما يلي خمس سياسات اشتراكية يجب عدم تكرارها في أي مكان آخر…
عندما يُذكر اسم بوليفيا، تلك الدولة الصغيرة الواقعة في قلب أمريكا الجنوبية، فإن أول ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين هو النظام الاشتراكي، واسم إيفو موراليس. بل إن البعض ذهب إلى حدّ وصفها بـ“المعجزة الاشتراكية“، نظرًا لما عرفته من استقرار اقتصادي ونقدي في العقد الثاني من الألفية. بل على العكس هذه الصورة الوردية بعيدة كل البعد عن الواقع., حيث ساهمت خمس سياسات اشتراكية في تدمير الاقتصاد البوليفي:
1) تأميم الموارد الطبيعية
كانت بوليفيا على مشارف طفرة اقتصادية غير مسبوقة بفضل صناعة الهيدروكربونات (الغاز الطبيعي) ، التي أنشأتها الشركات الخاصة خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. إلا أن دستور عام 2009، الذي صاغه “حزب الحركة نحو الاشتراكية“، ولا سيما مادته رقم 311، قام بتأميم هذه الصناعة، وجميع الموارد الطبيعية الأخرى تقريبًا، بدءًا من المياه والمعادن ووصولًا إلى الكهرباء. وعندما بلغت أسعار الغاز الطبيعي ذروتها عالميًا عام 2012، تم إنفاق العائدات التي أصبحت جزءًا من القطاع العام على مشاريع عبثية، ودعم عشوائي، ورواتب، ونفقات حكومية مفرطة، أو لنقل بتعبير أدق: “تبذير للمال العام“.
2) الملكية الخاصة المشروطة
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، شهدت بوليفيا جهودًا لتكريس حقوق الملكية الخاصة. غير أن دستور 2009أعاد صياغة هذه الحقوق عبر المادة 56 التي تنص على أن “لكل شخص الحق في الملكية الخاصة، فردية كانت أو جماعية، شريطة أن تؤدي وظيفة اجتماعية“. وعلى الرغم من أن الدولة لا تصادر الملكيات بشكل مباشر، فإن هذا الشرط المبهم يضعف الحماية القانونية للملكية. فمن الشائع أن تُنتزع أراضيك الزراعية من قبل السكان المحليين، أو أن تعجز عن إخلاء مستأجر لم يدفع الإيجار لأشهر أو حتى سنوات، أو أن جد فجأةً أشخاصًا يبنون منزلًا على ممتلكاتك (حتى داخل المدينة). إن غياب الأمان القانوني للملكية ينفّر المستثمرين، ويُضعف النشاط الاقتصادي في البلاد.
3) من ثلاث وزارات إلى سبعة عشر وزارة واثنتين وعشرين نيابة وزارية
قبل وصول “الحركة نحو الاشتراكية” إلى الحكم، كانت السلطة التنفيذية في بوليفيا تتكوّن من الرئيس ونائبه وثلاث وزارات رئيسية. إلا أن هذا الهيكل تغيّر بشكل جذري بعد فوز الحزب في انتخابات ديسمبر. 2005فمنذ توليه السلطة في يناير 2006، بدأ في إنشاء المزيد من الوزارات والمناصب الحكومية كل منها أقل ضرورة من سابقتها. وقد تحوّل إنشاء هذه الأجهزة إلى ذريعة لخلق وظائف بيروقراطية عديمة الجدوى، وصفها الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا بـ“الطفيليات الحكومية“، تسحب الأفراد من سوق العمل الحقيقي نحو جهاز حكومي متضخم مما يُصرفهم عن خلق قيمة في المجتمع. ومن بين الأمثلة على هذه الوزارات: لتوضيح عبثتيها: وزارة الثقافات، وإزالة الاستعمار وتفكيك الطابع الأبوي، ونيابة وزارة ورقة الكوكا والتنمية المتكاملة، ونيابة وزارة مكافحة التهريب. نستخلص من هذه الأمثلة حقيقتين: أولاهما أن هذه الأجهزة لا تضيف شيئًا يُذكر للاقتصاد، وثانيتهما أن الاشتراكيين مبدعون للغاية في اختراع أسماء مؤسساتهم.
4) أكثر من ٦٠ شركة مملوكة للدولة
أطلقت الحكومة على نموذجها الاقتصادي اسم “نموذج المجتمع الاقتصادي الاجتماعي الإنتاجي” (Modelo Económico Social Comunitario Productivo) — وهو اسم طويل آخر يعكس الغموض. يقوم هذا النموذج على وضع الدولة في مركز النشاط الاقتصادي باعتبارها “محرك التنمية“، ومن ثم أطلقت الحكومة أكثر من 60 شركة عمومية، جميعها تقريبًا تعمل بخسائر وتفتقر إلى المنطق الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، شركة “كيبوس” للإلكترونيات، التي أنشأتها الدولة للترويج لاستخدام التكنولوجيا في بوليفيا والمدارس العمومية، تكبّدت خسائر تزيد على 5,5 مليون دولار خلال أول خمس سنوات من إنشائها، ولا تزال تواصل نشاطها رغم هذه الخسائر. وتُبقي الحكومة هذه الشركات على قيد الحياة بدافع من الغرور السياسي والجشع، في تجسيد واضح لما وصفه الاقتصادي فريدريك هايك في كتابه “الوهم القاتل“.
5) ضرائب مرتفعة ونظام ضريبي بيروقراطي
تُعد بوليفيا من أسوأ الدول في العالم من حيث النظام الضريبي، بسبب الجمع بين البيروقراطية والضغط الضريبي المرتفع. ووفقًا لتقرير Doing Business، يقضي المواطن البوليفي نحو 1025 ساعة سنويًا في محاولة الامتثال الضريبي) ما يعادل أكثر من 42 يومًا في السنة (، كما قد يضطروا لدفع نحو 83,7٪ من أرباحه إذا لم يُقدّم ملفاته الضريبية بشكل سليم. وقد وصف المحلل الاقتصادي دييغو سانشيز دي لا كروز بوليفيا بأنها ” جحيم ضريبي” في أمريكا اللاتينية، حيث صنفتها على أنها الأسوأ من حيث الضغط والجهد الضريبي. ونتيجة لذلك، أصبحت نحو 80٪ من الأنشطة الاقتصادية في البلاد غير مهيكلة، أي غير مسجل رسميًا في الاقتصاد.
ثمار الاشتراكية: من الوهم إلى الانهيار
بوليفيا بعيدة كل البعد عن أن تكون “معجزة اشتراكية“. بل إنها عاشت خلال العقدين الماضيين سلسلة من السياسات الاشتراكية التي كبّلت الاقتصاد ومنعته من النمو والتطور. قد يكون الضرر غير ظاهر للعيان خلال سنوات ارتفاع أسعار الغاز، ولكن مع نضوب احتياطات وتراجع ايرادات الغاز الطبيعي، بدأت تظهر النتائج الكارثية تدريجيًا. فالتأثيرات الاقتصادية غالبًا ما تُدرك على المدى الطويل، وبوليفيا ليست استثناءً. لقد حصدت الحركة الاشتراكية ثمار الإصلاحات الليبرالية التي أُقرّت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لكنها اليوم تجني نتائج سياساتها الخاصة على مدى ما يقرب عقدين: أزمة، وبؤس، وانهيار تدريجي للاقتصاد.
بقلم: فابريسيو أنتيزانا دوران – مسؤول مشارك عن وسائل التواصل الاجتماعي في مؤسسة التعليم الاقتصاديFEE