• يوليو 6, 2025

مشكلة المعرفة: لماذا يفشل التخطيط المركزي دائمًا؟

في عالم تزداد فيه التحديات الاقتصادية، ما زالت حكومات كثيرة متمسكة بسياسات قديمة تقوم على افتراض خاطئ: أن البيروقراطيين أكفأ من السوق. فالقوانين المتعلقة بالحد الأدنى للأجور، وتسقيف الأسعار، والمؤسسات المملوكة للدولة، والقوانين المقيدة لسوق العمل، جميعها تنبع من قناعة مضللة بأن المسؤولين الحكوميين يمكنهم إدارة الاقتصاد بشكل أفضل من ملايين الأفراد الأحرار المتفاعلين في سوق حر.

على العكس، ينبغي على الحكومة أن تتبنى سياسات تسمح بظهور نظام تلقائي، يتماشى مع الطبيعة البشرية، حيث تؤدي المعاملات الطوعية بين الأفراد إلى نتائج اقتصادية إيجابية. فلا يمكن للدول النامية أن تخرج من حالة الجمود وتحقق الازدهار إلا من خلال الاعتراف بمشكلة المعرفة ووضع الثقة في السوق.

إن أحد أعمق أسباب فشل الاشتراكية وتدخل الدولة المفرط في الاقتصاد هو ما أطلق عليه الاقتصادي النمساوي فريدريش هايك “مشكلة المعرفة”. فلا يمكن لأي مخطط مركزي، مهما كان ذكاؤه أو حسن نيّته، أن يخصّص الموارد بكفاءة تماثل كفاءة السوق الحر.

ففي مقالته الشهيرة استخدام المعرفة في المجتمع” (1945)، فنّد هايك الاعتقاد السائد لدى أنصار التخطيط المركزي بأن الخبراء، المسلحين بالبيانات والنماذج الاقتصادية، يمكنهم توجيه الاقتصاد بشكل أكثر فعالية من السوق الحر. وبيّن أن المعرفة في المجتمع ليست مركزية، بل موزّعة بين ملايين الأفراد بشكل ديمقراطي، كلٌّ منهم يمتلك معرفة محلية وفريدة لا يمكن لأي جهاز تخطيط مركزي أن يحيط بها أو يستوعبها كليًا.

إن كل صاحب مشروع، وكل عامل، وكل مستهلك يمتلك معرفة بظروفه الخاصة؛ وهي معارف تتغير باستمرار ومن المستحيل اختزالها في بيانات خام جامدة. ومن هنا تعمل الأسعار في السوق كإشارات تنسق هذه المعرفة الموزعة بكفاءة. فارتفاع الطلب يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ما يحفز الإنتاج، بينما انخفاض الطلب يخفض الأسعار مما يعاقب الهدر. هذا التفاعل الديناميكي يضمن توجيه الموارد نحو الاستخدامات الأكثر قيمة، دون الحاجة إلى توجيه مركزي.

لكن الحكومات تعتقد أنها قادرة على استبدال هذا النظام الدقيق والمعقد بإملاءات بيروقراطية. والنتيجة هي الفشل المتكرر، للأسباب التالية:

  • غياب المعلومات الآنية: لا يمكن لأي جهاز حكومي أن يجمع ويعالج الكم الهائل والمتغير باستمرار من المعرفة التي يمتلكها الأفراد. في المقابل، فإن إشارات الأسعار التي تحركها السوق تتكيف باستمرار، بينما تظل الضوابط البيروقراطية جامدة ومتأخرة عن الواقع.
  • التحفيزات المشوّهة: بخلاف مؤسسات القطاع الخاص التي تتجاوب مع الربح والخسارة، يعمل المخططون الحكوميون خارج انضباط السوق. وتصبح قراراتهم محكومة بالاعتبارات السياسية، ما يؤدي إلى الهدر، والفساد، وسوء تخصيص الموارد
  • استحالة تحديد الأسعار بدقة: لا تستطيع الاقتصادات الاشتراكية، في ظل غياب آلية تسعير سليمة، تحديد القيمة الحقيقية للسلع. في هذه الأنظمة، يُحدد المخططون أسعار السلع بشكل اعتباطي، ما يؤدي إلى إما نقص حاد أو فائض كبير. على سبيل المثال، عانت الاتحاد السوفياتي من سوء تخصيص مزمن للموارد؛ إذ كانت المصانع تنتج كميات هائلة من السلع غير القابلة للاستخدام، في حين يصطف المواطنون أيامًا للحصول على السلع الأساسية.
  • كبح روح المبادرة والابتكار: في الأسواق الحرة، تحفّز المنافسة رواد الأعمال على الابتكار وتحسين المنتجات والخدمات. أما التخطيط المركزي، فيستبدل هذه الحيوية بالتنظيمات الجامدة، ما يؤدي إلى الركود وعدم الكفاءة.

·       حتى الذكاء الاصطناعي لا يستطيع حل مشكلة المعرفة: هناك من يدّعي أن الذكاء الاصطناعي قد يتغلب على مشكلة المعرفة عبر معالجة كميات هائلة من البيانات الاقتصادية. لكن هذا مجرد وهم. فالذكاء الاصطناعي، تمامًا كالمخططين المركزيين من البشر، يعمل على أساس معلومات محدودة، ولا يمكنه إدراك الطبيعة المتغيرة باستمرار والذاتية للمعرفة والتفضيلات الفردية. إن اقتصاد السوق البشري هو عملية عضوية قائمة على التجربة والخطأ، على التكيف والتجديد—وهي خصائص لا يمكن برمجتها مركزياً.

الطريقة الوحيدة للتعامل مع مشكلة المعرفة هي ترك السوق يعمل بحرّية. فالأفراد الأحرار، الذين يستجيبون لإشارات الأسعار والحوافز، يتخذون قرارات بناءً على معارفهم وظروفهم، تخلق في مجموعها اقتصادًا فعّالًا، قابلاً للتكيّف، ومرنًا. على الحكومات أن تركز على توفير بيئة قانونية تضمن حماية حقوق الملكية، وتطبيق العقود، ما يسمح بازدهار التبادل الطوعي.

وعندما تحاول الحكومات استبدال آليات السوق بالتحكم البيروقراطي، فإنها تشلّ النظام ذاته الذي يسمح للاقتصاد بأن يعمل. وتعاني العديد من الدول المُثقلة بتدخّل الدولة المفرط، من الركود لأنها ترفض مبادئ السوق الحر لصالح التخطيط المركزي.

 

بقلم يوسْتَاس دافي، مدير مؤسسة السوق الحر

 

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

https://freemarketfoundation.com/the-knowledge-problem-why-central-planning-always-fails/

 

Read Previous

أخلاقيات آدم سميث: التعاطف أساس الفضيلة