• أغسطس 3, 2025

“الفجر الأفريقي” لن يبزغ إلا بسيادة القانون

رغم الأخبار الإيجابية التي تتوالى عن القارة الأفريقية مؤخرًا، إلا أن أحد أكبر التحديات المستمرة يتمثل في ضعف المؤسسات، وعلى رأسها غياب سيادة القانون — وهي في الواقع شرط لا غنى عنه لتحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام على المدى الطويل. فبعد أن كانت تُوصف بالقارة المفقودة، ارتفعت مستويات الدخل وتحسنت مؤشرات الرفاهية، لكن يظل التساؤل الأساسي مطروحًا: هل يمكن للقارة مواصلة مسارها نحو الازدهار؟ الجواب يعتمد بدرجة كبيرة على مدى تطور المؤسسات الإفريقية. فالنمو طويل الأمد يتطلب وجود سيادة قانون فعالة تضمن بشكل سريع وموثوق أمن الأفراد وممتلكاتهم. للأسف، لا تزال إفريقيا تعاني من مشكلة في سيادة القانون.


شهدت أفريقيا في بداية الألفية الجديدة موجة انتعاش اقتصادي. فقد ساهم تحرير الأسواق داخليًا، إلى جانب الطلب العالمي المرتفع على الموارد الطبيعية، في دفع القارة نحو نمو سنوي بلغ في المتوسط 5%. وبين عامي 2000 و2013، ارتفع متوسط دخل الفرد الحقيقي (بعد تعديله حسب التضخم) من 1,469 إلى 2,002 دولارًا — بزيادة قدرها 36%. وبالتوازي مع ارتفاع الدخول، شهدت مؤشرات أخرى مهمة للرفاه الإنساني تحسناً ملحوظاً، إذ ارتفع مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة من 0.43 إلى 0.49 في الفترة ذاتها. لكن لا يزال من المبكر جدًا الحديث عن “فجر أفريقي”، فضلًا عن “قرن أفريقي” في ظل ضعف المؤسسات، وخاصة القضائية والقانونية والتي تعتبر شرط أساسي لتحقيق نمو قوي ومستدام على المدى الطويل، وتحسين دائم في مستويات المعيشة.

تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن الدول التي تعاني من ضعف في مؤسساتها يمكن أن تحقق بالفعل معدلات نمو مرتفعة لفترات قصيرة. غير أن هذه الفترات تكون في الغالب مؤقتة، لأنها لا تستطيع الحفاظ على هذا النمو. بعبارة أخرى، غالباً ما تتبع فترات النمو السريع حالات من الركود الاقتصادي أو، في أسوأ الحالات، الانكماش. أما الدول التي تمتلك مؤسسات قوية، فهي أكثر قدرة على الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة لفترات أطول بكثير. وهذا، إلى جانب اقتصاد حر نسبياً، هو سر نجاح بوتسوانا، التي ارتفع فيها دخل الفرد بنسبة 1,751% بين عامي 1960 و2013، مقارنة بزيادة لم تتجاوز 150% في معظم أنحاء أفريقيا. المشكلة أن سيادة القانون في إفريقيا تشهد تدهوراً في السنوات الأخيرة. حتى بعض الدول التي تُعتبر “نماذج ناجحة” إفريقية شهدت تآكلاً في قوة مؤسساتها القانونية، وترافق ذلك مع تفاقم ظاهرة الفساد.

خذ على سبيل المثال جنوب إفريقيا، التي لطالما وُصفت بأنها صاحبة الاقتصاد الأكثر تطورًا في القارة وثاني أكبر اقتصاد فيها. فقد واجه الرئيس جاكوب زوما 783 تهمة فساد تتعلق بصفقة تسلح، فيما أُدين وسُجن مستشاره المالي والوسيط في تلك الصفقة، بينما تمت تبرئة زوما من جميع التهم قبل ثلاثة أيام فقط من توليه الرئاسة. منذ ذلك الحين، تكاثرت مزاعم الفساد من جديد، ولعل أكثرها فداحة هو إنفاق مبلغ ضخم من أموال دافعي الضرائب على مقر إقامته الخاص. لكن، هل سيُحاسب زوما على أفعاله خصوصا أن من أول قراراته كرئيس كان إلغاء “العقارب”، وهي الهيئة المتخصصة في مكافحة الفساد في جنوب إفريقيا.

أو خذ مثلًا زامبيا، التي وصفتها مجلة الإيكونوميست بأنها “من أفضل الدول أداءً” في العقد الماضي، لم تكن أفضل حالاً. ففي عام 2012، اتُهم رجل الأعمال راجان مهتاني، ذو العلاقات السياسية القوية، باستخدام وثائق مزورة للاستحواذ على شركة إسمنت زامبيزي بورتلاند البالغ قيمتها 160 مليون دولار، وهي شركة مملوكة لمستثمرين إيطاليين، اللذين تم ترحيلهم لاحقًا بذريعة “تهديدهم للأمن القومي”. وبعد معركة قانونية طويلة، استطاع مالكا الشركة، أنطونيو ومانويلا فينتريغليا، العودة إلى زامبيا واستعادة ممتلكاتهما بعد حكم قضائي. قال أنطونيو: “لقد تكبّدنا خسائر تفوق 100 مليون دولار على مدار سنوات بسبب الفساد، لكن لحسن الحظ يبدو أن سيادة القانون بدأت تعود. أشعر بالأسى على صغار رجال الأعمال الذين يواجهون الترهيب والسرقة دون أن تتاح لهم سبل الوصول إلى خدمات العدالة السريعة للدفاع عن أنفسهم”.

إن العلاقة المتشابكة بين الفساد السياسي والاقتصادي من جهة، وضعف سيادة القانون من جهة أخرى، تشكل خطرًا وجوديًا على مستقبل القارة. فكيف يمكن توقع تطور بيئة أعمال منتجة، ونمو اقتصادي نوعي، دون وجود قواعد قانونية واضحة، يمكن التنبؤ بها، وقابلة للتنفيذ عن طريق قضاء فعّال.

إن ازدهار أفريقيا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر ضمان سيادة القانون. فالقوانين لا ينبغي أن تُكتب فقط، بل يجب أن تُطبّق بعدالة وسرعة وفعالية. فـ”الفجر الأفريقي” لن يبزغ حقًا إلا حين يصبح القانون هو الحَكم، لا العلاقات أو المصالح أو الفساد.

 بقلم ماريان إل. توبي باحث أول في معهد كاتو.

https://www.cato.org/commentary/african-dawn-needs-rule-law

Read Previous

لماذا في الأساس، البراءات هي حقوق ملكية؟