أكثر ما يخشاه المعارضون للخصخصة هو أن يؤدي تمليك الأراضي أو المرافق العامة للخواص إلى تراجع إمكانية الوصول إليها. لكن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك. فالخصخصة هي في الحقيقة دَيمقْرطة حقيقية للموارد العامة، إذ تُنتزع من قبضة الدولة البيروقراطية، غالباً فاسدة واحتكارية، وتُفتح أمام السوق والمنافسة.
مزايا الخصخصة
الخصخصة تعني شركات أكثر كفاءة، وأعباء أقل على دافعي الضرائب، وفساداً أقل مع تراجع قدرة السياسيين على التلاعب بالمؤسسات، بالإضافة إلى لامركزية في توفير السلع والخدمات. ومع ذلك، يُقابل الحديث عن خصخصة شركات عامة متعثرة – في قطاعات مثل الكهرباء، النقل، وهيئة البريد – بموجة غضب وتهديدات بالاحتجاجات الجماهيرية.
جزء كبير من هذا الغضب تغذّيه أيديولوجيا معيبة. فالحكومة والنقابات العمالية ما زالت متمسكة بالعقيدة الماركسية التي ترى بوجوب ملكية الدولة لكل الموارد، وبأن سيطرة قلة من النخب عليها تجعلها بطريقة سحرية أكثر إتاحة للعامة. اللافت أن الاعتراض لا يقتصر على الماركسيين وحدهم. فحتى فئات من الطبقة الوسطى في الضواحي تعارض خصخصة المتنزهات والمساحات الخضراء، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تدمير هذه الفضاءات الطبيعية وتحويلها، لا قدر الله، إلى مشاريع إسكان منخفض التكلفة! بالطبع، ما يقلق هؤلاء ليست حماية الطبيعة بل تشويه أسعار عقاراتهم المضارَبة عبر بدائل سكنية زهيدة في مناطقهم.
المتنزهات ستبقى متنزهات
ثمة سبب جوهري يجعل المتنزهات والمساحات الخضراء موجودة وغير مطوّرة حتى الآن. فهي لم تُترك دون استغلال (تحويلها إلى مشاريع عمرانية) لأن الدولة ” فاضلة ورائعة “، بل لأنها تؤدي وظيفة اجتماعية أو جغرافية أو عمرانية.
والأهم أن المتنزهات الجيدة ليست نتاجاً لجهد الحكومة، بل لأنها تحظى بتقدير المجتمع المحلي الذي يستمتع بها ويتطوع لصيانتها. الواقع أن العديد من الفضاءات العامة التي قد تتنزه فيها وتستمتع بها قد تكون في الأصل ملكية خاصة، لكن صاحبها سمح باستخدام أرضه كمنفعة عامة بدافع الكرم وحسن النية.
إسكان منخفض التكلفة… أم إسكان بلا تكلفة؟
الخوف من مشاريع الإسكان الشعبي منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى كونه أنانياً، هو غير ذي صلة. فعندما لا يُبنى سكن منخفض التكلفة على أراضٍ خاصة، ستظهر مساكن مجانية على الأراضي العامة!
الأراضي العامة غالباً بلا حراسة ولا تنظيم فعّال، ولا يكاد يوجد أي تطبيق للقانون ما يجعلها عرضة للاحتلال العشوائي. وإذا لم تتطوع جمعيات محلية لحمايتها بدعم من حراس أمن خاصين، سرعان ما يستولي عليها مشرّدون أو مجموعات منظّمة من الغزاة. ومع وجود قوانين تحمي فعليًا غزاة الأراضي والمحتلين غير الشرعيين، فإن هؤلاء سيبقون هناك إلى أجل غير مسمى. هنا ستعاني الأراضي العامة من “مصير المشاعات”: لا أحد يحمي، ولا أحد يطوّر، فتتحول الأرض العامة إلى خرائب.
الخصخصة لا تعني بالضرورة صدمة أو احتكاراً
كثيرون يستشهدون بتجربة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تحولت الخصخصة العشوائية إلى أداة بيد الأوليغارشية، مما دفع روسيا لتصبح مجتمعًا فاسدًا وغير متكافئ. صحيح أن التجربة الروسية كانت فوضوية، لكن روسيا اليوم، رغم عيوبها، أكثر رخاءً وحرية مما كانت عليه تحت الشيوعية السوفييتية. ومع ذلك، فقد أُديرت عملية الخصخصة في روسيا بشكل كارثي. لكن هذا لا يعني أنه يجب إدارتها بالطريقة نفسها في دول أخرى، وخاصة تلك التي لديها اقتصاد سوق قائم.
ولتفادي صدمة “العلاج بالصدمة”، يجب أن تكون الخصخصة شفافة وتدريجية. أي أن يتم تحرير الأسواق بإلغاء القوانين التي تولّد الاحتكارات. فالاحتكار الخاص المبني على القوانين ليس احتكارًا خاصًا، بل “مؤسسة حكومية بالوكالة”. قطاعات مثل الكهرباء، والسكك الحديدية، والبريد، يجب أن تُفتح أمام منافسة حقيقية، علاوة على ذلك، يجب إلغاء القوانين واللوائح التي تمكّن الأفراد الفاسدين والنافذين من السيطرة التفضيلية على الصفقات الحكومية.
عملية الخصخصة الناجحة تمر بعدة مراحل:
- التقييم والتفكيك: تحديد ما سيتم خصخصته، وتقسيم هذه الأصول بحيث تُباع لعدة منافسين مختلفين قدر الإمكان حتى لا يذهب كيان ضخم إلى لاعب واحد فيتحول إلى أوليغارشية.
- الأولوية للمستفيدين: إعطاء “الحق الأول” لأصحاب المصلحة – كالجمعيات السكنية في حال المتنزهات، أو الموظفين في حال الشركات. وإذا لم يوجد أصحاب مصلحة، فإن الكفاءة ستكون هي المعيار. حيث يقوم مقيمون مستقلون بالحكم على المتقدمين بناءً على قدراتهم في إدارة ما يشترونه.
- مزاد مفتوح وشفاف: يجب أن تكون العروض والمزايدون مكشوفين تمامًا أمام الجميع، بحيث يمكن لأي شخص مراقبة العملية والتدخل في حالة وجود جرائم أو فساد.
الخصخصة ليست أداة لتكوين طبقة أوليغارشية، بل فرصة لتوسيع الرخاء الاقتصادي وتمكين المجتمع من إدارة موارده بفعالية. عند إدارتها بشفافية ووفق قواعد السوق، يمكن للخصخصة أن تكون بوابةً لازدهارٍ أكبر لجميع أفراد المجتمع.
بقلم نيكولاس وود-سميث – باحث في مؤسسة السوق الحر
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://freemarketfoundation.com/privatisation-is-not-what-you-think-it-is/