بحسب آدم سميث، الجواب واضح: لا !
يختصر أحد شعارات التيار التحرري (الليبرتاري) الفكرة قائلًا: «لا تؤذِ الناس، ولا تأخذ ممتلكاتهم».
هذا الشعار يُجسّد تصورًا خاصًا للعدالة والحقوق، تصورًا سلبيًّا. أي أنه طالما لم نتعدَّ على حياة الآخرين أو حريتهم أو ممتلكاتهم — ما يسميه جون لوك في رسالتِه الثانية في الحكم المدني بـ «الملكية» — فإن سلوكنا لا يُلام.
لكن في زماننا، نسمع معياراً أخلاقياً مختلفاً تماماً: «الصمت عن الظلم عنف»، و«المتفرجون شركاء في القهر»، وغيرها من الشعارات المتحمّسة. أصحاب هذا الخطاب الأخلاقي المتشنّج يريدون إقناعنا بأن مجرد الوجود دون الانخراط في مقاومة «شرٍّ عظيم» يُعد انتهاكا لقوانين العدالة.
فهل هذا صحيح؟ يؤكد آدم سميث، وبحزم، أن الجواب هو لا.
العدالة فضيلة سلبية
كان سميث فيلسوفًا أخلاقيًا قبل أن يكون اقتصاديًا — بل هو الذي مهد لولادة الاقتصاد كعلم. وفي كتابه نظرية المشاعر الأخلاقية، يوضح أن العدالة فضيلة سلبية، بينما الإحسان (أو الإيثار) فضيلة إيجابية، وهي إحدى «الفضائل الودودة». أو بتعبير آخر، كما يقال في الفلسفة الأخلاقية، الفضائل الإيجابية تبقى اختيارية— «فوق الواجب» أما العدالة فهي ملزمة.
يقول سميث: «العدالة هي الركيزة الرئيسة التي يقوم عليها صرح الحضارة بأكمله، أما الإحسان فهو الزينة التي تُجمّله».
فانعدام العدالة يهدم المجتمع من أساسه، بينما يمكن للمجتمع أن يستمرّ بدون الإحسان، وإن لم يكن في «أفضل حالاته».
من الخير إلى التناقض
لكن ماذا يحدث لو جعلنا الإحسان واجبًا أخلاقيًا ملزمًا كحال العدالة؟
وما النتيجة المترتبة على رفع العمل الخيري إلى منزلة العدالة في الميزان الأخلاقي؟ النتيجة هي تناقض منطقي.
فمن يعتقد أن للناس حقًا في أموال غيرهم لا يستطيع في الوقت نفسه أن يعتبر الحقوق السلبية (كالحق في الحياة والحرية والملكية) مقدسة لا تُمسّ. وقد أوضح الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا هذا التناقض بجلاء بين الحقوق التوزيعية والحرية في رده على السياسي لامارتين، الذي دعا إلى التوزيع الإجباري للثروة باسم «الأخوة» (fraternité)، فقال باستيا:
«النصف الثاني من برنامجكم (الأخوة) سيدمّر النصف الأول (الحرية).». في الواقع، من المستحيل فصل كلمة الأخوة عن كلمة الاختيار الحر. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن فرض الأخوة بالقانون دون أن تُدمَّر الحرية بالقانون، وبالتالي تُداس العدالة تحت الأقدام. ويضيف باستيا أن المرء لا يمكنه احترام الحرية بينما تُصادر الملكية بالقوة، لأن الإحسان الناتج عن مثل هذا «النهب القانوني» ليس إحساناً حقيقياً، بل زيف أخلاقي. فالفضيلة لا تُفرض، بل تُختار — ولا أحد يختار طوعاً أن يدفع ضرائبه الإلزامية.
النفاق الأخلاقي الحديث
يتحدث سميث عن أولئك عن أولئك «الوعّاظ الكئيبين الذين لا يكفّون عن توبيخنا على سعادتنا، بينما يعاني إخوتنا من البؤس» (نظرية المشاعر الأخلاقية، III.iii.3) إن عليهم أن يمارسوا الفضيلة التي يعظون بها: الإحسان.
إن جلد الذات والشعور بالذنب لمجرد أننا أفضل حالًا ليس تواضعًا، بل نرجسية أخلاقية. والأسوأ أن هذا الشعور لا يُساعد الفقراء، بل يُغذي غرورًا أخلاقيًا متخفي في ثوب التواضع.
وما يزيد المفارقة قسوة، أن زهد هؤلاء الوعّاظ لا ينسجم مع غاياتهم المعلنة — وهي سعادة الإنسان وازدهاره، لا تعاسته ومعاناته. فبدلاً من مساعدة من هم أسوأ حالاً، ينغمس هؤلاء الواعظون في شعور مرضي بالذنب المازوخي الذي لا ينفع أحداً سواهم.
الفيلسوف جون ستيوارت مل انتقد هذا الزهد الكاذب بحدة فقال: «كل التقدير لمن يتخلى عن متع الحياة الشخصية حين يسهم بذلك حقًا في زيادة سعادة البشر حول العالم؛ أما من يفعل ذلك لغير هذا الغرض، فلا يستحق من الإعجاب أكثر مما يستحقه ناسكٌ جالس على عموده».
من المازوخية إلى السادية
الأسوأ حين يتحول هذا الزهد المازوخي إلى سادية ثورية، كما حدث في الحركات التي برّرت العنف والاضطهاد باسم «الخير الأعظم» أو «اليوتوبيا». فالفضيلة القسرية تُنجب الاستبداد، لا الرحمة.
العدالة ليست إحسانًا مفروضًا
الإحسان فضيلة مزدوجة، تنفع المتلقي وتُهذّب روح الفاعل، أما العدالة فهي واجب أخلاقي يمنعنا من إيذاء الآخرين أو سلبهم حريتهم وممتلكاتهم. فيما يخص المازوخية الأخلاقية فهي مرض مؤذي، والسادية باسم «العدالة» شرٌّ محض، مهما كانت الغاية المقصودة من ورائها.
بقلم جاك نيكاسترو، محرر مساعد في مجلة Reason
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://fee.org/articles/does-justice-require-that-we-help-our-fellow-man/
