• نوفمبر 21, 2025

لماذا ما زلنا نستخدم النقود الورقية؟

النقود الورقية قذرة وتشكّل ناقلاً رئيسياً للأمراض، إذ تنتقل من يد غير مغسولة إلى يد أخرى. يسهل فقدانها وسرقتها، وقد تتلف لمجرد ابتلالها أو احتراقها. كما أنها تتآكل سريعاً، واستبدالها مكلف ومزعج. فلماذا ما زلنا نستخدم هذا «الشيء البالي» في عصر التكنولوجيا الرقمية؟
عندما تُتاح للناس حرية الاختيار، يفضّلون البطاقات الائتمانية والمدفوعات الإلكترونية على النقود. وفي مناطق عديدة من العالم، يمكن الدفع من هاتف إلى آخر، حيث تقوم شركات الاتصالات بالكثير من وظائف البنوك التقليدية. صار بالإمكان تخزين النقود وإرسالها عبر أي جهاز رقمي تقريباً، وبأمان أكبر من النقود الورقية. كما أن أشكالاً مختلفة من النقود الإلكترونية يمكن أن تكون أكثر أماناً من العملة الورقية. والنقود الإلكترونية وأنظمة الدفع الرقمية لا تنشر الأمراض.
الحكومات من جهتها تحب وسائل الدفع الإلكترونية التي يمكنها مراقبتها—مثل بطاقات الائتمان—لكنها لا تحب العملات الإلكترونية غير الحكومية التي يصعب تتبّعها مثل «بيتكوين». قبل نحو 15 عاماً، كتبتُ كتاباً توقعت فيه زوال النقود الورقية، ظنّاً مني أنها ستختفي تدريجياً كما اختفت الشيكات الورقية. لكنني كنت مخطئاً. فبدلاً من التراجع، يزداد الطلب على النقود الورقية بوتيرة أعلى من التضخم أو النمو السكاني، وإن بشكل طفيف .والسؤال هو: لماذا؟
أحد أسباب انخفاض الجريمة في الشارع هو أن الأفراد والتجار ميلون لحمل كمية أقل من النقود الورقية معهم مع اعتمادهم المتزايد على أشكال مختلفة من أنظمة الدفع الإلكترونية، مما يقلل من توفر النقود الورقية سهلة السرقة لدى المجرمين الصغار. ومع ذلك، ترتفع أرصدة النقد الورقي للفرد الواحد، ما يعني أن الناس يحتفظون بمخزونات نقدية أكبر وأكبر في منازلهم أو مكاتبهم أو في أماكن أخرى.
ورغم عيوبها، للنقود الورقية ميزتان بالغتا الأهمية:

  • الخصوصية : النقد الورقي مجهول الهوية، بمعنى أنه يمكنك إبقاء إنفاقك سرياً —وهذا ما يفضله الناس لأسباب حسنة وغير حسنة. أما الأموال الإلكترونية فتمر دائماً عبر أطراف ثالثة: بنك، شركة اتصالات، متجر… مما يجعلها عرضة بسهولة للمصادرة من قبل وكالات حكومية أو من قبل القراصنة المتقنين للتقنيات الإلكترونية.
  • الخوف من الحكومة : في عصر « مصادرة الممتلكات » الذي تمارسه الوكالات الحكومية، تستطيع الدولة تجميد حسابك قبل إدانتك بأي مخالفة. ولذلك، يشعر الناس بمخاوف حقيقية ومبررة من وضع كل أموالهم في البنك.
    كما أنّ حملة «مكافحة غسل الأموال» العالمية وتضخم تنظيمات «اعرف عميلك» جعلت تقديم الخدمات المالية الأساسية مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير أكثر تكلفة على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى. ومع ارتفاع تكاليف خدمة كل حساب نتيجة للوائح الحكومية، من الطبيعي أن تطلب البنوك أرصدة دنيا أكبر وثائق وأكثر من كل عميل مما يدفع الكثير من الناس خارج النظام البنكي.
    أولئك الذين لا يستطيعون تلبية المتطلبات الجديدة (غالبًا الشباب والفقراء) يظلون بلا حسابات مصرفية. وبدون حساب مصرفي، لا يمكن للناس الحصول على بطاقات ائتمان. وبذلك يصبح الحصول على تذاكر السفر، أو حجز الفنادق، أو استئجار السيارات أمراً بالغ الصعوبة. وهؤلاء مجبرون على اللجوء إلى الاقتصاد النقدي، حيث يزداد خطر السرقة بفعل اعتمادهم على الأوراق النقدية.
    الساسة والجهات التنظيمية يحبون التفاخر بأن قوانينهم تمنع التهرب الضريبي وغسل الأموال والاتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب. لكن معظم الدراسات تُظهر أن هذه اللوائح غير فعّالة، وأن المستفيد الأساسي منها هم واضعوها، ومسؤولو الامتثال، والمحامون، والمحاسبون، وبالطبع السياسيون الذين يبتزّون تبرعات انتخابية من الخاضعين للتنظيم.
    والحقيقة أن هؤلاء المنظِّمين مسؤولون عن: نشر مزيد من الأمراض (بسبب استمرار تداول النقود الورقية) ; زيادة معدلات السرقة ; ارتفاع تكاليف الخدمات المالية وتدهور حياة الفقراء والشباب
    إن زيادة استخدام النقود الورقية هي نتيجة مباشرة لتدخل الحكومة المفرط وسلوكها التعسفي. لو كانت الحكومات حسنة النية وتحترم الملكية الفردية والخصوصية، لكان معظم النقد الورقي قد اختفى — وكان ذلك سيكون أمراً إيجابياً بالكامل.

بقلم ريتشارد و. راهن – زميل أقدم سابق في معهد كاتو
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://www.cato.org/publications/commentary/why-do-we-still-use-paper-money

Read Previous

آدم سميث في مواجهة أوهام الهندسة الاجتماعية