خصص آدم سميث (1723-1790) جزءًا هامًا من كتابه “ثروة الأمم” (نُشر في عام 1776) لمناقشة مسألة الضرائب، متناولًا أسئلة جوهرية من قبيل من يجب أن يدفع الضرائب، وبأي قدر، ولأي غرض، وكيفية فرضها. ففي الفصل الخامس من الكتاب، حدد سميث ما أسماه المبادئ أو القواعد الأساسية للسياسة الجبائية، حيث دعا أساسا إلى أن تتناسب الضرائب مع حجم الفوائد التي يتحصل عليها دافعو الضرائب من الدولة، وأن تكون أيضا قابلة للتوقع، ملائمة، وفعالة.
القاعدة الأولى: التناسب
بموجب هذه القاعدة يرى سميث أ أنه لا بد أن تكون الضرائب متناسبة سواء مع حجم استفادة الفرد من عيشه في المجتمع أو مع اختلاف مستويات ومصادر دخله (إيجارات، أرباح، أجور). ورغم أنه أشار إلى أن فرض بعض الضرائب بشكل غير متناسب على الأثرياء، مثل الضرائب على الكماليات، ليس أمرًا سيئًا تمامًا، إلا أنه شدد على أن التناسب يمثل القاعدة العامة، موضحا أنه”: يجب على رعايا كل دولة المساهمة في الموازنة العامة للحكومة بقدر يتناسب مع إمكانياتهم، أي بما يتناسب مع الإيرادات التي يتمتعون بها تحت حماية الدولة .وشبه سميث الضرائب “بنفقات إدارة الشركاء المالكين لعقار كبير، والذين يلتزم كل منهم بالمساهمة بشكل متناسب مع حصته في ملكية العقار”. وبذلك يصبح دافعو الضرائب أشبه بالمساهمين؛ حيث المساهم الأكبر يدفع أكثر، بينما المساهم الأصغر يدفع أقل.
القاعدة الثانية: الوضوح والشفافية
القاعدة الثانية التي طرحها سميث هي أن أن تكون شروط أداء الضريبة المفروضة على كل فرد محددة بكل وضوح وليست تعسفية، حيث يجب أن تكون المعلومات المتعلقة بمقدار ووقت وكيفية أداء الضريبة واضحة تمامًا لدافع الضرائب ولأي فرد آخر. إن معرفة الضرائب والتنبؤ بها يسمح للمواطنين بالتخطيط لقراراتهم الاقتصادية (استهلاك, ادخار, استثمار) بشكل أكثر فعالية. وبعبارة أخرى، فإن القواعد الواضحة للعبة تشجع على المزيد من الاستثمار والإنتاجية والابتكار. وقد ناقش فريدريك فون هايك (الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1974) هذا المبدأ بتفصيل في كتابه “دستور الحرية” سنة 1960، حيث شدد على أهمية سيادة القانون.
ففي غياب قوانين ضريبية واضحة وقابلة للتنبؤ، يزداد خطر إساءة استغلال الصلاحيات من قبل جُباة الضرائب. كمثال على ذلك، يكفي أن نلاحظ متاهات النظام الضريبي المعقّد والانتهاكات الأخيرة من قبل مصلحة الضرائب الأمريكية (IRS)، مما يثبت صحة وبُعد نظر مبادئ سميث. ففي ظل قوانين ضريبية معقدة وتعسفية: “يصبح كل فرد خاضع للضريبة، وإلى حد ما، تحت سلطة جابي الضرائب، الذي يمكنه إما تشديد الضريبة على أي دافع ضرائب، أو ابتزازه بالترهيب للحصول على بعض الهدايا أو الامتيازات لنفسه”.
القاعدة الثالثة: الملاءمة
من خلال قاعدة الملاءمة، يركز سميث على ضرورة تبسيط مساطر الأداء لكي يكون دفع الضرائب سهلاً ومريحاً بالنسبة للأفراد والشركات على حد سواء. وبالملاءمة يعني سميث أن “كل ضريبة يجب أن تُفرض في الوقت أو بالطريقة التي تناسب دافع الضرائب على أفضل وجه”. وفي هذا الصدد على الأقل، أعتقد أن سميث سوف يؤيد الاقتطاع التلقائي للضرائب من الأجور، على الرغم من أنه قد يعترض على الطريقة التي يُستخدم بها من طرف الحكومات لفرض ضرائب على الناس أكثر مما يدركون فعليًا.
القاعدة الرابعة: النجاعة بالتقليل من “الخسائر الميتة”
القاعدة الرابعة التي ابتكرها سميث لإرساء سياسة جبائية ناجعة هو الحد من “الخسائر الميتة”، أي تلك الخسائر التي يتكبدها فرد أو مجموعة، ولكنها لا تتحول إلى آخرين. وبالتالي هذا يستلزم: “أن تُصمم كل ضريبة بحيث لا تأخذ من جيوب الناس أو تمنع عن جيوبهم إلا أقل قدر ممكن من الأموال، فوق ما تجلبه لخزانة الدولة. وهنا يستخدم سميث كلمة “أخذ” للإشارة إلى الأموال المقتطعة من الدخل المحقق للناس، في حين يستخدم كلمة “منع” للإشارة إلى الدخل غير المحقق أو المهدر بسبب الأعباء الضريبية والتشوهات والحوافز المثبطة”.
يصف سميث أربع طرق يمكن أن تؤدي بها الضرائب إلى خسائر ميتة. أولاً، هناك تكلفة توظيف محصلي الضرائب لجمعها ومعالجتها. فكلما أنفقت الدولة المزيد من الأموال لتحصيل الضرائب من المواطنين، كلما قلت ايراداتها الإضافية التي يمكن انفاقها في مجالات أخرى. ثانيًا، الضرائب المرتفعة قد تثبط النشاط الصناعي، خصوصا في حالة الصناعات ذات الطلب المرن للغاية، حيث من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض كبير للإنتاج وربما حتى انخفاض العائدات الجبائية بمرور الوقت. ثالثًا، تؤدي الضرائب المفرطة إلى التهرب الضريبي وانتشار السوق السوداء. رابعًا، إن دفع الضرائب أمر مزعج ومكلف للغاية. وربما تكون هذه الفئة الرابعة هي أكبر مصدر للخسائر الميتة في الولايات المتحدة اليوم، حيث يعمل عشرات الآلاف من الناس كمحاسبين ومحامين في المجال الضريبي. علاوة على ذلك، يقضي دافعو الضرائب ملايين الساعات كل عام في إعداد وتقديم الإقرارات الضريبية. ومن الواضح أن هذه التكاليف تمثل خسائر لا يمكن تعويضها، مما يقلص من النجاعة الاقتصادية.
رغم أن هذه القواعد لاتباع سياسة جبائية ناجعة لم تعد جديدة في يومنا هذا، حيث أن معظم خبراء الاقتصاد يتفقون على أن الضرائب الأبسط والأكثر عدالة من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي. ولكن نظراً لتعقيد وغموض وتعسفية الأنظمة الضريبية الحالية، فلا ضير من تذكير الناس بهذه المبادئ والتي كانت موجودة في كتابات آدم سميث منذ مئات السنين.
بول د. مولر هو أستاذ مساعد للاقتصاد في كلية كينجز.
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.