• مايو 22, 2025

أية منظومة ضريبية لسوريا الغد؟

لا يمكن لسوريا أن تنخرط في سياسة إنمائية حقيقية إلا من خلال اعتماد منظومة ضريبية تتسم بالتحفيز على العمل والاستثمار، وتتمتع بالكفاءة والفعالية. فالسياسة الضريبية الناجعة يجب أن ترتكز على مجموعة من المقومات الأساسية التي تضمن تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة بشكل عادل وفعّال.

مقومات المنظومة الضريبية

كما وسبق أن حددها آدم سميث (1723-1790) هناك مبادئ اساسية لكل سياسة جبائية ناجعة، حيث دعا إلى أن تتناسب الضرائب مع حجم الفوائد التي يتحصل عليها دافعو الضرائب من الدولة، وأن تكون أيضا قابلة للتوقع، وشروط أدائها واضحة وميسرة، بالإضافة إلى أن تكون محفزة على الاستهلاك والإنتاج:

الكفاءة الاقتصادية: تقتضي تجنب فرض ضرائب تعيق النشاط الاقتصادي أو تسبب تشوهات في السوق، مع ضرورة أن تكون الضرائب حيادية قدر الإمكان بحيث لا تؤثر سلبًا على قرارات الاستثمار والإنتاج والاستهلاك. كما يجب الحذر من الضرائب المفرطة التي تضعف القدرة الشرائية أو تعرقل الاستثمارات.

البساطة والوضوح: من خلال وضع قوانين ضريبية مفهومة وسهلة التطبيق لتقليل التهرب الضريبي، مع العمل على تبسيط الإجراءات البيروقراطية التي تعيق الامتثال الضريبي.

الاستقرار والاستدامة: إذ ينبغي أن يكون النظام الضريبي مستقرًا على المدى الطويل لتوفير وضوح وثقة للمستثمرين والمواطنين. كما يجب أن يُراعى التوازن بين الإيرادات والنفقات لتفادي العجز المالي.

المرونة والتكيف مع الظروف الاقتصادية: وذلك عبر إمكانية تعديل النظام الضريبي وفقًا للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية دون التأثير سلبًا على النمو. يمكن استخدام الضرائب كأداة لتحقيق أهداف اقتصادية كتحفيز الاستثمار أو التوظيف.

التحفيز على الامتثال الضريبي: من خلال تقديم حوافز للأفراد والشركات لتشجيعهم على الامتثال الطوعي مثل تسهيلات الدفع أو إعفاءات مشروطة، إلى جانب تشديد العقوبات على المتهربين للحد من فقدان الإيرادات. لكن الأهم، هو أن تكون الضرائب متناسبة مع حجم استفادة الفرد من عيشه في المجتمع. لذلك، يجب أن تهدف المنظومة إلى تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية عبر توجيه الإيرادات لتمويل خدمات أساسية يعجز السوق السوري عن توفيرها خلال المرحلة الانتقالية.

الملاءمة: لكي يكون دفع الضرائب سهلاً ومريحاً بالنسبة للأفراد والشركات يجب رقمنة النظام الضريبي من خلال إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتسهيل الدفع، والتصريح، وطلب الإعفاءات، دون الحاجة للتنقل بين الإدارات. كما يجب اعتماد نظام الفوترة الإلكترونية لتعزيز الشفافية وتقليل التهرب، إلى جانب توفير تطبيقات هاتفية تساعد الأفراد والشركات على تتبع وضعهم الضريبي.

إذا نجحت الدولة في تحقيق هذه المقومات، فإنها ستتمكن من بناء نظام ضريبي فعال يسهم في تمويل الميزانية العامة بطريقة عادلة ومستدامة، دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي.

الخطوط العريضة للمنظومة الضريبية

من أجل نظام ضريبي مرن وفعّال يحدّ من التهرب الضريبي ويجذب المستثمرين، ويوازن بين الإيرادات الحكومية وأرباح النشاط الاقتصادي، تقترح هذه الورقة بعض التوصيات لتفادي تعقيد وغموض وتعسفية الأنظمة الضريبية الحالية:

الضرائب المركزية

وهي الضرائب التي تفرضها الحكومة المركزية لتمويل الميزانية العامة. وهي مقسمة إلى ثلاث فئات:

  • ضريبة المبيعات الموحدة كمصدر رئيسي للإيرادات: يجب أن تتراوح معدلاتها الموحدة بين 5٪ إلى 10٪ وأن تُطبق على جميع السلع والخدمات المحلية، بمعدل أولي 5٪ مع إمكانية تعديله بناء على مراجعات دورية. ويحبذ أن يُخصص جزء من هذه الضريبة (بين 25٪ إلى 50٪) للهيئات المحلية لتشجيعها على جذب الأنشطة التجارية. تُحصَّل الضريبة من قبل الشركات عند نقطة البيع.
  • ضريبة الدخل كمصدر تكميلي للإيرادات: بعد أول مراجعة مالية، وفي حال الحاجة لمزيد من الموارد، تُفعَّل ضريبة دخل موحدة منخفضة (مثلاً 5٪) تطبّق على جميع المكتسبين. يُحدد المبلغ المعفى بناءً على تكلفة المعيشة ومعدلات التضخم والمعايير الإقليمية، مع مراجعات سنوية. تُقتطع الضريبة عند المصدر، أي يخصمها صاحب العمل مباشرة من الرواتب قبل صرفها، وتحوّل إلى مصلحة الضرائب بصفة دورية، خاصة بالنسبة للدخول المنتظمة كالرواتب والمعاشات.
  • الرسوم الجمركية كأداة دعم للإنتاج والتصدير: تعفى المواد الأولية ونصف المصنعة من الرسوم الجمركية لتقليل تكاليف الإنتاج المحلي، مما يرفع من تنافسيته دوليًا ويساهم في تقليص البطالة وزيادة الأجور. تُفرض ضريبة مبيعات مخففة على السلع التي تُطرح في السوق المحلي. وبهذا، تستفيد الدولة من مصدرين للدخل: ضرائب المبيعات على المنتجات المحلية، وزيادة في العملة الصعبة الناتجة عن التصدير.

الضرائب المحلية

وتُفرض من قبل البلديات لتمويل الخدمات المحلية مثل ضريبة العقارات أو رسوم النفايات. ولتطوير البنية التحتية وتجويد الخدمات الأساسية على المستوى المحلي، تخصص 75٪ من هذه الضرائب للإدارات المحلية و25٪ للحكومة المركزية، وتُنقل الأموال شهريًا عبر نظام خزينة وطنية.

يعطي هذا التصور الضريبي الأولوية لخفض كلفة ممارسة الأعمال وتشجيع الاستثمار، خصوصًا في القطاعات كثيفة العمالة مثل التصنيع والبناء والزراعة، التي تعد أساسية لتعافي الاقتصاد السوري. كما أن دعم الإدارات المحلية بـ75٪ من الإيرادات يمنحها القدرة على ابتكار مشاريع تنموية تنافسية تخدم مجتمعاتها، في حين تركز الحكومة المركزية على دعم التماسك الوطني وتنفيذ المبادرات الاستراتيجية.

خاتمة

يضع هذا النظام الضريبي المقترح الأساس لسوريا مزدهرة قائمة على الحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية. فمن خلال تبسيط الإجراءات، وتقليل العوائق أمام القطاع الخاص، وضمان عدالة التحصيل، يمكن خلق بيئة تشجع على النمو السريع والتعافي الاقتصادي المستدام.

Read Previous

الوظائف ليست مبرّراً للإنفاق الحكومي

Read Next

مونتسكيو: التجارة مفتاح السلام والازدهار وحسن النية