• أبريل 29, 2025

الإكراه الحكومي: وصفة أكيدة لفشل السياسات الاقتصادية

تُعد ممارسة الإكراه الحكومي سمةً شائعة في السياسات الاقتصادية العامة. فقد ألزم قانون الصحة الأفراد باقتناء التأمين الصحي، وترفع الإدارة الضرائب لتحصيل مزيد من الأرباح من ملايين الأفراد، كما تواصل الهيئات العمومية فرض سلسلة متزايدة من القوانين العمالية والبيئية والمالية على الشركات.

يشير خبراء السياسات المؤيدون للسوق الحر إلى التأثيرات السلبية لكل هذه التدخلات، لكن الحكومة لا تكف عن ابتكار أساليب جديدة لسرقة أموالنا، وتقييد حرياتنا، والتلاعب بالاقتصاد. يبدو أن اليساريين والتقدميين لا يدركون لماذا تعمل الاقتصادات الحرة بشكل أفضل من الاقتصادات القائمة على السلطة المركزية. فهم يؤيدون استخدام القوة المركزية، على ما يبدو، لاعتقادهم أنها تخلق فوائد عملية. لكن الإكراه ليس وسيلة عملية لتحسين الاقتصاد — فالقوانين والضرائب نادرًا ما تُحسّن وضعنا جميعا. قد يستفيد بعض الأفراد، لكن الغالبية العظمى تخسر.

 يميل الإكراه إلى تدمير القيمة، لا إلى خلقها. هناك على الأقل أربعة أسباب أساسية تفسر ذلك:

أولًا: لأن الحكومة باستخدامها الإكراه، تصبح قراراتها قائمة على التخمين. فالقوانين الحكومية هي أوامر تُملى من أعلى إلى أسفل، وليست نتيجة توافق مجتمعي. أما الإنفاق الحكومي فيعتمد في تمويله على الضرائب الإلزامية، وليس على مدفوعات المستهلكين الطوعية. لذا، فإن السياسات الحكومية لا تولد أي رد فعل أو تغذية راجعة حول ما إذا كانت تولد قيمة صافية أم لا.

قارن ذلك بالأسواق الحرة. نحن نعلم أن الأسواق تولد قيمة لأنها قائمة على تبادلات طوعية ومفيدة للطرفين. يستند صنع القرار في الأسواق إلى نظام واقعي موجه بتفضيلات الأفراد. خذ على سبيل المثال شراء الطائرات. في القطاع الخاص، تحدد شركة الطيران عدد الطائرات التي تشتريها بناءً على الطلب على السفر الجوي، وهو الطلب الذي يُجمع من خلال نظام الأسعار بناءً على اختيارات الأفراد في السوق. في المقابل، عندما تشتري الحكومة طائرات، لا يوجد نظام للأسعار أو قياس للطلب يوجه قراراتها، مما يعني أن قراراتها تُتخذ في حالة من العشوائيًة أو “العمى الاقتصادي”.

ثانيًا: لأنه غالبًا ما تدمر الإجراءات الحكومية القيمة حيث تخلق رابحين وخاسرين. تُقمع القوانين الخيارات الفردية وتفرض قواعد موحدة على الجميع. كذلك، فإن حجم الإنفاق العام على كل برنامج يُحدد على المستوى الوطني، وبالتالي يختلف عن الحجم الذي كان سيُفضله كل فرد لو أُتيح له الاختيار. أما في الأسواق، فيختار الناس حجم ونوع كل سلعة يشترونها، ويتمتعون بحرية متابعة مجموعة واسعة من الاهتمامات وأنماط الحياة والمهن المختلفة. وكما قال ميلتون فريدمان: ” تكمن الميزة الكبرى للسوق في أنه يسمح بتنوع واسع”، بينما “السمة الأساسية المميزة للعمل من خلال القنوات السياسية هي أنها تميل إلى فرض التماثل الجوهري”.

يحب اليساريون استخدام كلمة “التنوع”، لكن الأسواق الحرة هي التي توفره فعليًا. ومع ذلك، يبدو أن أنصار الحكومة الكبيرة الحجم يعتقدون أن الأفراد سيصبحون أفضل حالًا من خلال إلغاء خياراتهم الفردية. لكن في مجتمع يتسم بالتعددية، من المنطقي السماح بحلول السوق الحر المتنوعة بدلًا من فرض قواعد تنازلية من طرف الحكومة المركزية.

ثالثًا: لأن تمويل الأنشطة الحكومية يأتي من الضرائب الإلزامية. على عكس الأسواق، لا تُعاقب القرارات الحكومية السيئة، ولا تتم تصفية السياسات الفاشلة لأن التمويل الحكومي لا يعتمد على الأداء. يمكن أن تستمر البرامج منخفضة القيمة إلى ما لا نهاية، مما يعيق إعادة تخصيص الموارد لاستخدامات أفضل. أما في الأسواق، يسعى رواد الأعمال إلى تحقيق الأرباح، مما يدفعهم إلى البحث عن طرق أفضل لإدارة مشاريعهم. تسعى الشركات إلى تعظيم قيمتها الخاصة، وينتهي بها الأمر إلى تعزيز الاقتصاد بأكمله — وهو ما سماه آدم سميث “اليد الخفية”. أما في الحكومة، فلا توجد “يد خفية” ولا دليل يُرشد صانعي السياسات نحو مسار بنّاء.

رابعًا: لأن الضرائب تخلق “خسائر ميتة” أو أضرارًا اقتصادية لا تعوض، مما يعيق النشاط الاقتصادي. تفشل البرامج الحكومية في توليد القيمة لأن الضرائب المفروضة لتمويلها تؤدي إلى خسائر لا يمكن تعويضها. فالضرائب تُفرض قسرًا، مما يدفع الناس إلى تجنبها عن طريق تغيير أنشطتهم في العمل والاستثمار والاستهلاك، مما يقلل من الناتج والدخل الإجمالي. فلنفترض مثلا أن الحكومة فرضت ضريبة على القهوة. ستقوم هذه الضريبة بتحويل للأموال من مستهلكي القهوة إلى المستفيدين من البرامج الحكومية. لكن هناك تكلفة إضافية — الخسارة الميتة— ستنشأ مع تقليل الناس استهلاكهم للقهوة. سيستمتع الناس بكميات أقل من القهوة، وسيعانون من انخفاض في مستوى الرفاه أو السعادة.

وبالتالي تكون قد حالت ضريبة القهوة دون حدوث تبادلات طوعية مفيدة للطرفين، مما ألحق ضررًا بالاقتصاد. يعتمد حجم الضرر على نوع الضريبة، لكن بالنسبة لضريبة الدخل، تُظهر الدراسات التجريبية أن الخسارة الميتة المباشرة لارتفاع الضرائب بدولار واحد تبلغ نحو 50 سنتًا.

لنفترض أن متبرعًا أنفق 10 ملايين دولار على برنامج خيري يحقق 12 مليون دولار من الأرباح. سيكون هذا البرنامج الخاص ناجحًا. لكن برنامجًا مماثلًا تديره الحكومة سيفشل لأن تمويله بالضرائب سيخلق خسائر ميتة. سيكلف البرنامج الحكومي 10 ملايين دولار مباشرة، بالإضافة إلى 5 ملايين دولار من الخسائر الميتة، لتبلغ التكلفة الإجمالية 15 مليون دولار، وهو ما يتجاوز الأرباح.

بإيجاز، يؤدي الإكراه إلى خسائر ميتة ويخلق رابحين وخاسرين، وهو نقيض ما تخلقه التبادلات الطوعية المربحة للطرفين في الأسواق الحرة. قد يأمل السياسيون في أن تخلق تدخلاتهم عددًا أكبر من الرابحين مقارنة بالخاسرين، لكن هذا مجرد أماني غير واقعية لأن قراراتهم تقوم على التخمين لا أكثر.

 

كريس إدواردز، حامل لكرسي عائلة كيلتس للدراسات المالية، معهد كاتو.

لمطالعة النسخة الأصلية من المقال انقر هنا.

Read Previous

الإسلام والتحررية

Read Next

لماذا الاستبداد المطلق غير مشروع على الإطلاق