• مايو 22, 2025

الابتكار المالي للإفلات من براثن الفقر


لقد اكتسبت الابتكارات المالية مثل “ خدمة الأموال الجوالة“(mobile money)  شهرة واسعة في تطوير النشاط التجاري في العالم النامي، لكنها تلعب أيضًا دورًا متزايدًا في مساعدة الفقراء على الخروج من الفقر.

في دراستهما الأخيرة الآثار طويلة المدى للأموال الجوالة على الفقر والنوع الاجتماعي، يقيم الباحثان تافنيت سوري وويليام جاك مساهمة  الأموال الجوالة في التخفيف من حدة الفقر في كينيا، وهي الدولة التي انطلقت منها “ثورة  الأموال الجوالة“. فمنذ إطلاق خدمةM-PESA  في مارس 2007، أصبحت  الأموال الجوالة الوسيلة الأكثر شيوعًا للدفع في كينيا؛ حيث يعتمد عليها أكثر من 95٪ من الشركات و96٪ من الأسر الكينية في معاملاتهم اليومية. وقد زاد من شعبيتها منتجات مكملة مثل خدمة الادخار البنكي ذات العوائدM-Shwari  ومنصة الدفع بالتجزئة Lipa na M-PESA

ومن خلال استطلاعات أجريت بين عامي 2008 و2014، خلص سوري وجاك إلى أنM-PESA  قد ساهمت في إخراج 194,000 أسرة كينية (أي حوالي 2٪ من الأسر) من الفقر. ويعود ذلك، حسب تحليلهما، إلى تقوية قدرة الفقراء على حماية أنفسهم من الصدمات الاقتصادية السلبية مثل ضعف المحاصيل أو التباطؤ الاقتصادي العام. وقد منحهم ذلك تدفقًا أكثر استقرارًا للدخل يمكن التنبؤ به، مما سمح لهم بنمط إنفاق أكثر سلاسة واستدامة بمرور الوقت كما أتاحت للأسر الفقيرة إمكانية الوصول إلى حسابات توفير آمنة تدر فوائد. وتبيّن الدراسة أيضًا أن المناطق من كينيا التي حظيت بإمكانية وصول أكبر إلى وكلاء الأموال الجوالة (وهم بمثابة فروع بنكية صغيرة تتيح الإيداع وسحب النقود في مقابل الأموال عبر الهاتف المحمول)، استفادت بشكل أكبر بفضل التدفقات المستقرة من التحويلات المالية وازدياد المشتريات.

M-PESA ساعدت أيضًا في تحسين كفاءة سوق العمل في كينيا. إذ أصبح بمقدور العمال في الأرياف إرسال الأموال لعائلاتهم بطريقة رخيصة وموثوقة (وهو الشعار الأولي لبرنامج MPESA الذي أطلقته شركة Safaricom)، كما تمكن عمال الأرياف الكينية من البحث عن وظائف ذات رواتب أعلى في نيروبي وغيرها من المراكز الحضرية. وقد سمحت وسمح التدفق المنتظم للتحويلات المالية من المدن إلى الأرياف بدوره لمزيد من الأسر الريفية بدفع الرسوم الدراسية اللازمة لإرسال أطفالهم إلى المدارس. كما وفّرت خدمات مثل  M-Shwari – المرتبطة بـM-PESA –قروضًا ميسّرة لملايين الكينيين لبدء مشاريعهم الخاصة. وقد ساهمت هذه التطورات في موجة ريادة الأعمال الرقمية التي جعلت من كينيا تُلقب بـ”سيليكون سافانا“.

ومن أبرز ما توصل إليه سوري وجاك أن الأموال الجوالة كانت ذات فائدة خاصة للنساء الكينيات؛ إذ تمكنت 185,000 امرأة من التحول من الزراعة المعيشية إلى وظائف مدفوعة الأجر. كما وفرت الأموال الجوالة لملايين النساء، اللواتي لم يكن لديهن حسابات بنكية، وسيلة آمنة للادخار دون خوف من مصادرته على يد لصوص مارقين أو أزواج متواطئين.

تنبع هذه الآثار الإيجابية عن هذه الابتكارات المالية من عدة قنوات حددها الباحثان سوري وجاك في: زيادة كفاءة الاستهلاك والاستثمار، تحسين سوق العمل، وارتفاع حجم الادخار والائتمان الخاص الموجَّه للمشاريع الصغيرة وغيرها من الشركات الناشئة.

على الرغم من أن نتائج ساري وجاك مشجعة بلا شك، إلا أن الثورة الرقمية المالية لا تُؤتي ثمارها بشكل متساوٍ في جميع الدول النامية. فبحسب تجاربي وتحليلاتي – يقول الكاتب – فإن أكثر السبل فعالية لتشجيع الابتكارات الريادية، مثل خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، هي أن تتبنى الجهات التنظيمية نهجًا تنظيميًا “مرنًا” يسمح بالابتكار من دون قيود. أي عندما لا تُعيق الابتكارات المالية منذ البداية بإخضاعها للوائح باهظة التكلفة، مثل متطلبات “اعرف عميلك” ومكافحة غسل الأموال (KYC-AML)، أو منع المنافسين من دخول السوق، أو الحد من أنواع الخدمات التي يمكن للبنوك تقديمها لعملائها عبر الهاتف المحمول.

في الواقع، معظم حسابات الأموال الجوالة حول العالم توجد في بيئات تنظيمية مُمكّنة أزالت الحواجز أمام الابتكار وشجّعت المنافسة وأوجدت بيئةً سانحة لما يُعرف بـ “الابتكار غير المُرخَّص”. (permissionless innovation). التمويل مهم، لكن الدول لا تستطيع التمتع بكامل فوائد التنمية المالية إلا إذا أزال ساستها العقبات أمام التقدم والابتكار الماليين من خلال إزالة اللوائح وتبني سياسة التحرير المالي.

وحيثما سُمح لها بالازدهار، كانت فوائد هذه التقنيات واضحة، خاصة في دول مثل الهند، وزيمبابوي، وفنزويلا، التي عانت مؤخرًا من نقص السيولة النقدية وأزمات اقتصادية وسياسية. ومن خلال تسهيل عملية تخزين المواطنين لثرواتهم رقميا بدلا من العملة الورقية وفتح حسابات توفير عبر الهاتف المحمول بالعملات الأجنبية، أظهرت تكنولوجيا الأموال الجوالة إمكانات هائلة لوضع نوع من الضغوط التنافسية على العملات التي تصدرها الحكومات والتي قد تجبرها على كبح جماح سلوكياتها السيئة.

في المحصلة، تُشكل تجربة كينيا مع ثورة الأموال الجوالة في كينيا دليلًا قويًا لصالح من يؤمن بأن الابتكار المالي القائم على السوق، إن لم تعرقله الحكومات، يمكن أن يكون تلعب دورا هاما في محاربة الفقر العالمي.

 

بقلم سكوت أ. بيرنز أستاذ مساعد في الاقتصاد بكلية أورسينوس

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا. 

Read Previous

الناس قبل الأرباح: شعار نبيل ولكن…

Read Next

لماذا حرية التعبير جوهرية؟