كنت أتناول القهوة مع صديق جديد، كان رجل أعمال متقاعد وهو من قام بنشر السيارات الفاخرة في ولاية كاليفورنيا. ذكرت له أنني قد تقاعدت مؤخرا من امتلاك إحدى شركات الاستثمار وكنت قد درست الاقتصاد لسنوات عديدة، وخاصة الاقتصاد النمساوي.
ومثل الكثير من الناس، فقد قال: “أنا حقا لا أفهم الاقتصاد ودائما ما كان هذا الأمر يربكني.”
وكانت دهشته عندما قلت له “بالطبع أنت تفهم الاقتصاد؛ إنها عملية التفكير التي تستخدمها كل يوم للتعامل مع ثلاثة أشياء: الاحتياج، والملكية، والعلاقات “.
جحظت عيناه وقال: “توقف! قل ذلك مجددا.”
“حسنا،” أردفت قائلا: “يتم تنظيم كل شيء في حياة الإنسان حول كيفية اتخاذ القرارات فيما يتعلق بثلاثة أمور: الاحتياج، والملكية، والعلاقات”.
“دعنا نتحدث أولا عن الاحتياج الذي كنت تعرفه تماما في حياتك، إنك تلاحظ أنه عندما يكون هناك شيء غير متوفر لديك أو على وشك أن ينفذ فإن ذلك يتوقف على قرارك بأن الوقت قد حان للذهاب إلى البقالة، أو القيام بالغسيل أو ما إذا كان ينبغي عليك أن تقود سيارتك بسرعة حتى لا تتأخر عن موعد ما”.
“كل إنسان خبير في عملية اتخاذ القرار المتعلق بالاحتياج. إنه شيء نفعله جميعا بطبيعة الحال كلما تصرفنا وكلما كان علينا الاختيار – ونحن نقوم به، بالمناسبة، في جميع الأوقات، وفي كل يوم، وعلى مدار الساعة”.
ابتسمت قائلا “أستطيع المضي قدما بلا ملل. هل تريد المزيد؟”
“بالتأكيد،” قالها وابتسم بدوره.
“جميع البشر يتخذون قرارات العمل والاختيار التي تعمل تلقائيا على الموازنة بين العوامل التالية. المعرفة: ما الذي نعرفه؟ المخاطر وعدم اليقين: ما هو تقديرنا للخطر الذي يمكننا أن نتوقعه؟ ما الذي لا نعرفه؟ الوقت والأولويات: متى أريد ذلك الأمر أو أحتاجه؟ وما هو مدى أهمية هذا بالنسبة لي في الوقت الحالي، فيما يتعلق بالخيارات الأخرى؟ القيمة: ما الذي أنا على استعداد للتخلي عنه من أجل الحصول على هذا الشيء في الحال؟”
“هذا هو الأسلوب الشخصي الذي تفهم به الاقتصاد؛ إنه عملية اتخاذ القرار التي يمر بها كل شخص في كل مرة يقوم فيها بالتصرف والاختيار، حتى إذا كان ذلك بالنسبة لي فقط.”
“ولكن هناك طريقة أخرى مهمة، تفهم بها الاقتصاد بالفعل، وهي كيفية تفاعلك مع الآخرين. وهذا هو السبب في أنني ذكرت الملكية والعلاقات، حيث تضع عملية القرار التي أتيت على ذكرها أشخاصا آخرين في الاعتبار”.
“الاقتصاد هو أيضا أن نقرر كيف سنفكر وبالتالي نقوم بتنظيم ممتلكاتنا وعلاقاتنا”.
بعد وقفة طويلة، قال صديقي الجديد: “مهلا لحظة. أنت لم تتحدث عن المال. حتى أنا أعلم أن الاقتصاد هو دراسة المال “.
أجبت قائلا، “إن دراسة المال والتبادل النقدي هو الاستخدام الأكثر تطبيقا للنظرية الاقتصادية، وهذا أمر متوقع”.
“لماذا؟ بسبب الملكية”.
“ربما أنت تعرف بالفعل أن المال هو وسيلة للتبادل. ولكن ما الذي نقوم بتبادله؟ نحن تبادل الملكية، ملكيتك في مقابل ملكيتي”.
“من الأمور الأكثر قيمة أن نعتقد بأن هناك نوعين من المحادثات تحدث أثناء كل تبادل نقدي – أو خاص بالملكية”.
“المحادثة الأولى هي التي أجريها مع نفسي؛ عندما أدفع 3 دولارات أمريكية ثمنا لهذا القدح الممتاز من القهوة”، بينما أنا أقول “أقدر هذه القهوة أكثر من الثلاثة دولارات الأمريكية الموجودة في جيبي”.
“المحادثة الثانية هي تلك التي يجريها صاحب المقهى مع نفسه. فهو يقول، “أقدر الثلاثة دولارات الأمريكية الخاصة بك أكثر من القهوة التي أبيعها”.
“المال هو الشكل الأكثر فائدة من أشكال الملكية ولذا فإنني لست بحاجة لأن أحاول تبادل سمكة أو دجاجة بفنجان من القهوة، على سبيل المثال.”
واصلت حديثي قائلا “والاستخدام الفعلي للاقتصاد هو في الحديث عن كيفية تنظيم أنفسنا في مجموعات. هل يحترم كل منا ملكية الآخر بشكل سلمي؟ هل نحن نتعاون بشكل سلمي مع شعور مشترك من القيم السلمية أم أن ذلك يعود إلى أن تلك القيم الناشئة عن الخوف تكون مفروضة علينا من قبل أحد الديكتاتورات، كما هو الحال مع ديكتاتور واحد، أو مجموعة من الديكتاتوريات، وهو ما يسمى الديمقراطية، بالمناسبة”.
عند هذه النقطة كان صديقي الجديد يراوغ، وقال: “إذا، فإن الاقتصاد يعتمد حقا على السياسة.”
فقلت له: “في الواقع، إنه على العكس من ذلك. إذا أردت، يمكنني أن أرسل لك مقالا قصيرا رائعا، كتب في العام 1850 وهو يوضح ذلك الأمر. اسم الكاتب هو فريدريك باستيا، وهو يشرح أن البنيات الاقتصادية تسبق البنيات السياسية”.
“وبعبارة أخرى، إذا نظرت إلى السياسة على أنها ببساطة مجرد حجة للكيفية التي بها ينبغي لنا أن ننظم أنفسنا، فعندئذ يصبح من الواضح أن ذلك يختصر بالفعل كيفية معرفتنا، أو عدم معرفتنا، وماهية الملكية، وكيف ينبغي لنا أن نتعامل معها بينما نتواصل مع بعضنا البعض في الحياة والمعيشة”.
“هذا هو ما كنت أشير إليه عندما قلت إن الاقتصاد متعلق أيضا بالعلاقات. العلاقة بين الاقتصاد والسياسة هو كيف ننظم علاقاتنا وعما إذا كانت “قيمنا المشتركة” تفترض أنه بإمكاننا (ونحن نريد ذلك) أن يكون لدينا مجتمع أكثر اعتمادا على التعاون السلمي – أم لا “.
وكما هو مصير جميع المحادثات، فقد أصبح جليا أن الوقت قد حان لإنهاء هذا الأمر، لذا فقد أردفت: “حسنا، هكذا تجري الأمور. لقد قمت بدراسة هذا الأمر لفترة طويلة. إذا كنت ترغب في معرفة المزيد، فإنه بإمكاني أن أوجهك نحو معرفة المزيد عن هذه الأمور بطريقة تدريجية”.
ولشد ما كانت دهشتي عندما أردف قائلا “لا، دعنا نواصل الحديث. إنه أمر ممتع للغاية. ولكن ثمة أمر يزعجني. هل تزعم أيضا أن البشر لا يحتاجون إلى القواعد والقوانين، وأن ما يطلق عليه “مصالحنا الشخصية” يكفي لإبقائنا بشرا نتفاعل بطريقة أكثر سلمية؟ الأخبار مفعمة بالأهوال الإنسانية لابتلاع ذلك الأمر”.
أجبته قائلا “حسنا، صحيح أن وسائل الإعلام تعمل في الغالب على بث الأخبار السيئة. وهناك بالتأكيد أماكن وأزمنة في جميع أنحاء العالم حيث بلغ الحال العنف الأكبر للإنسان ضد أخيه الإنسان”.
“ولكن الصحيح أيضا أن هذا موجود على خلفية عالم جميل وسلمي ورتق بشكل عام. في أي يوم عادي، فأنت أكثر عرضة لإنهاء اليوم بسلام في السرير من أن تكون ضحية لوقوع بعض العنف أو سوء الحظ”.
“هناك العديد والعديد من الأمثلة على القيم السلمية المشتركة التي – في جميع أنحاء العالم – نعتمد عليها في حياتنا اليومية، والتي تظهر أن هذا صحيح. أنا أفضل الطريق السريع. نحن هنا تتحرك بسرعة يمكنها أن تقتلنا ولكننا جميعا – في الغالب ومعظم الوقت – نتعاون بشكل سلمي”.
“لكن دعنا نتحدث في المرة القادمة حول ما إذا كان يتعين علينا أن ننظم أنفسنا فيما يتعلق بافتراض أن الطريقة الوحيدة التي سوف يتعاون بها الناس بشكل سلمي هي من خلال إحدى الهيئات التي تولي الاستخدام الحصري للقوة أو ما إذا كانت هناك طرق أخرى يمكننا من خلالها أن تكون لدينا قواعد وقوانين، ووسائل انتصاف، و- في نفس الوقت – مرتبة أعلى من السلام والازدهار والحرية.
“لأن ثمة طريقة لذلك.”
ترجمة: أنور المكي