• مايو 22, 2025

الوظائف ليست مبرّراً للإنفاق الحكومي

ليس هناك ما يُسمّى بـ”غداء مجاني” عندما يتعلق الأمر بالوظائف الحكومية.

 

نشرت زميلتي، ماغي أندرز، مؤخرًا تغريدة دقيقة الملاحظة على منصة “إكس”، اعتبرت فيها أن:

جملة ’لكن الناس سيفقدون وظائفهم‘ ليست حجة مشروعة للاستمرار في ضخ أموال دافعي الضرائب في الحكومة الفيدرالية المتضخمة. 

ومع بدء الرئيس دونالد ترامب الحديث عن تقليص أو إغلاق بعض الوكالات الحكومية (أو على الأقل أجزاء منها)، يتعالى القلق من جهة الكثيرين الذين يُسلّطون الضوء على جانب سلبي واضح: هذه الخطوة ستؤدي إلى فقدان العديد من الموظفين الحكوميين لوظائفهم. وقد وصف البعض ذلك بأنه “أكبر موجة تسريح للمستخدمين في التاريخ”، محذرين من تداعيات اقتصادية وخيمة وسلبية. بينما يظن آخرون أن هذه التداعيات ربما لن تظل مؤثرة لفترة طويلة. 

لا شك أن فقدان الوظيفة أمر مؤسف على المستوى الإنساني، لكن ذلك لا يعني أن كل وظيفة تستحق الحفاظ عليها. فخلق أي وظيفة، سواءً حكومية أو غير حكومية، يحمل في طياته إيجابيات وسلبيات محتملة. الإيجابي هو القيمة التي تخلقها الوظيفة للفرد وللمجتمع ككل، بناءً على ما يُنتجه الفرد فيها. أما السلبي فهو أن وقت الفرد والموارد التي يستخدمها لإنجاز وظيفته لا يُمكن تخصيصها لإنتاج سلع بديلة. يسمي الاقتصاديون هذه البدائل الضائعة بـ”تكلفة الفرصة البديلة”.

بمعنى آخر، لتقييم موضوعي، يجب مقارنة فوائد الوظيفة، سواء كانت حكومية أو خاصة، بما تستنزفه من موارد يمكن أن تُستغل في مجالات أخرى أكثر نفعًا. 

في الأسواق الحرة، تقوم الشركات بالموازنة بين الفوائد المتوقعة من توظيف فرد معين (مثل الإيرادات التي يسهم في تحقيقها) والتكاليف المرتبطة به (كالرواتب والمزايا وما إلى ذلك). فإذا فاقت الفوائد التكاليف، فإن الوظيفة تخلق قيمة مضافة إلى ربحية الشركة، ويجري توظيف الشخص. أما إذا كانت الكلفة أكبر من العائد، ستتكبّد الشركة خسائر، ولن تُخلق الوظيفة الجديدة. في هذه الحالة يفضل توجيه الموارد إلى استخدامات أخرى أكثر طلبًا من المستهلكين.

أما في القطاع الحكومي، فلا توجد آلية ربح وخسارة يمكن عبرها تقييم فاعلية الوظائف وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما قال الاقتصادي النمساوي لودفيغ فون ميزس: الحكومة ليست مشروعًا يهدف إلى تحقيق الربح. ولا يمكن تقييم أدائها عبر مبدأ الربح والخسارة. وإنجازاتها لا تُقاس بمنطق المال.

من السهل أن نرى بوضوح الجوانب “الإيجابية” للإنفاق الحكومي، كبناء جسر جديد يستخدمه المواطنون، لكن من الصعب رؤية الجانب السلبي بوضوح والناتج عن التكاليف المخفية. بالفعل كان من الممكن استخدام الأموال والموارد المخصصة لبناء الجسر وتوظيف الموظفين في مشاريع أخرى قد تكون أكثر نفعًا للمجتمع، ولكن بما أن السياسيين يأخذون هذه الموارد من الناخبين عن طريق الضرائب، فإنهم لا يتحملون التكلفة ولا تتم محاسبتهم.

وقد أشار هنري هازليت، في كتابه “الاقتصاد في درس واحد”، إلى هذه النقطة قائلًا إن الحكومة عندما تجعل “توفير الوظائف” هدفًا بحد ذاته، فإنها تبدأ باختراع مشاريع بدون الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الحقيقية للمواطنين. ويتساءل:

بدلاً من التفكير فقط في الأماكن التي يجب بناء الجسور فيها، تبدأ الحكومة بالتفكير في الأماكن التي يمكن أن تُبنى فيها الجسور.

لكن ألا تُثري هذه الوظائف المجتمع؟ ليس بهذه السرعة. يُتابع هازليت: صحيح أن فئة مُعينة من عمال الجسور قد تحصل على وظائف أكثر من غيرها. لكن يجب تمويل الجسر من الضرائب. فمقابل كل دولار يُنفق على الجسر، يُخصم دولار من دافعي الضرائب ربما كان سينفقه بطريقة أكثر فاعلية.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل جميع الوظائف الحكومية تخلق ثروة للمجتمع؟

الجواب: ليس بالضرورة. إذا الحكومة خلقت فرص عمل من خلال تحصيل أموال الضرائب، فإن بعض الوظائف يمكنها أن تُدمر ثروة المجتمع. كمثل شركة خاصة شركة خاصة تنفق ملايين الدولارات من مواردها لتوظيف عمّال لحفر حفر ثم إعادة ردمها فورًا. السبب الذي يجعلنا لا نقلق بشأن حدوث ذلك هو أن الشركة الخاصة التي يختار أصحابها القيام بذلك ستتكبد خسائر فادحة. لكن الحكومة – لغياب آلية الربح والخسارة – قد تستمر في هذا النوع من “الوظائف”، دون أن يدرك أحد أنها لا تضيف شيئًا ذا قيمة.

من الطبيعي ألا يرضى أي دافع ضرائب بأن تدفع الحكومة لشخص ما راتبًا ضخمًا لحفر حفر وردمها. ولكن كيف تضمن الحكومة أن الوظائف الحكومية الحالية لا تُدمر الثروة؟ كيف يُمكننا معرفة ما إذا كانت بعض الوظائف مجرد وظائف مؤقتة لحفر الحفر وإعادة ردمها؟ بدون آلية السوق لحسابة الأرباح والخسائر، لا يُمكننا ذلك. ولذا، لا يستطيع المواطن أن يطمئن إلى أن جميع الوظائف الحكومية الحالية منتجة. 

في جوهرها الحكومة المركزية لم تخلق لتكون برنامجًا لتوفير فرص العمل. وإذا كنا نريد منها أن تُحسّن حياة المواطنين، فلا ينبغي لنا أن نقبل مبدأ “الوظائف لمجرد الوظائف”. وبالتالي، فإن الادعاء بأن خفض الإنفاق الحكومي يضر بالاقتصاد بسبب فقدان الناس لوظائفهم لا أساس له من الصحة”. نعم، بعض الناس سيفقدون وظائفهم عند تقليص الحكومة، لكنهم سيجدون فرصًا أفضل في القطاع الخاص، حيث يخضع أصحاب العمل الجدد لرغبات العملاء وقوى المنافسة والربح والخسارة.

ولهذا كانت ماغي محقة تمامًا:

الحكومة ليست هنا لتوفير الوظائف.

 

بقلم: بيتر جاكوبسن – زميل كتابة في مؤسسة التعليم الاقتصادي FEE 

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

Read Previous

فريدمان وهانكي عن جذور التضخم والتضخم المفرط

Read Next

أية منظومة ضريبية لسوريا الغد؟