تلعب حقوق الملكية الخاصة، التي ينبغي أن تكون مقدسة ومصونة، دورًا محوريًا في دعم النجاح الاقتصادي. فهي في الواقع من بين أكثر الركائز الأساسية التي يستند إليها النمو والازدهار الاقتصادي. إن احترام حقوق الملكية الخاصة وإنفاذها ليسا مجرد مسائل قانونية أو فلسفية، بل هما من الضرورات العملية للإنتاجية والابتكار وتكوين رأس المال واستقرار المؤسسات ورفاهية المجتمع، بل والديمقراطية ذاتها.
لكن، لماذا تُعدّ حقوق الملكية الخاصة الآمنة ضرورية لنجاح أي اقتصاد؟
الجواب يكمن جزئياً في كون حقوق الملكية توفّر الأساس القانوني والأخلاقي الذي يربط بين الجهد والمكافأة. فعندما يكون الأفراد والشركات واثقين من أن ممتلكاتهم محمية، فإنهم يصبحون أكثر ميلاً للاستثمار والابتكار والمجازفة بمشاريع ريادية.
إن السلوك الاقتصادي يتشكل بفعل الحوافز. والملكية تضمن أن تعود مكاسب التحسينات على من يقوم بها، مما يحفّز على التفكير طويل الأمد وعلى الإبداع. وكما قال آدم سميث: “من مصلحة كل إنسان أن يعيش بأكبر قدر ممكن من الراحة”، وهو ما لا يتحقق إلا بالملكية. فإذا غابت حقوق الملكية الواضحة، تعطل التبادل الطوعي، وهو الأساس الذي تقوم عليه معظم الاقتصادات. أما وجود حقوق ملكية مؤمّنة، فيخفض من تكاليف المعاملات، ويتيح إبرام العقود، ويُيسّر نشأة أسواق الائتمان.
علاوة على ذلك، فإن الأصول لا تصبح منتجة اقتصادياً إلا عندما يمكن رهنها أو تحويلها إلى ضمانات للحصول على التمويل. وهذه التحوّل، الذي وصفه الخبير الاقتصادي هرناندو دي سوتو بأنه انتقال من “رأسمال ميت” إلى “رأسمال حي”، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل أنظمة تعترف قانوناً بالملكية وتُطبّقها. فعندما لا يكون هناك شك كبير حول من يملك الحق الحصري في الأصل، يمكن لهذا الأصل أن يؤدي دوره الكامل في توسيع الاقتصاد.
الأبحاث التجريبية تؤكّد هذه النتائج
ففي دراسة مقارنة شملت عدة دول نُشرت عام 2003، وجد الدكتور برنارد هايتغر أن تحسين مؤسسات حقوق الملكية يؤدي إلى أكثر من مضاعفة الدخل الفردي في البلدان التي شملتها الدراسة على مدى عقدين. فقد تناولت الدراسة العلاقة بين جودة حقوق الملكية والنمو الاقتصادي الطويل الأمد خلال الفترة ما بين 1975 و1995، وأظهرت الاختبارات التجريبية أن تأثير حقوق الملكية الخاصة الآمنة على النمو تأثير إيجابي ومترابط في آنٍ واحد. وقد بيّنت النتائج أن مضاعفة مؤشر جودة حقوق الملكية تؤدي إلى أكثر من مضاعفة في متوسط الدخل الفردي. كما توصلت الدراسة إلى أن لحقوق الملكية تأثيراً على المحددات “التقليدية” للنمو الاقتصادي. ولهذا استنتج هايتغر أنه “من المناسب إدراج حقوق الملكية الآمنة ضمن المصادر الجوهرية للنمو الاقتصادي“.
وفي دراسة عالمية أجراها معهد كاتو سنة 2020، تبين أن الدول التي اعتمدت أنظمة مسح عقاري شاملة تُسجّل فيها حدود الملكيات، وتقسيمات الأراضي، والمباني، والتفاصيل ذات الصلة، شهدت زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 2.86 نقطة مئوية، فقط بفضل تعزيز اليقين القانوني. أما في نيجيريا، فقد حدّد الدكتور جيريمياه أوموجويغبي وآخرون (2024) وجود علاقة إيجابية بين تحسين حقوق الملكية والنمو الاقتصادي، كما سلطوا الضوء على العوائق التي تشكلها البيروقراطية والنزاعات المتعلقة بحيازة الأراضي. كما توصلت دراسة للباحثين لاهسن وبيبر (2019) إلى أن تقوية حقوق الملكية أدت إلى زيادات ملموسة في مستوى رضا الأفراد عن حياتهم ورفاههم الشخصي، حتى مع استبعاد تأثير الدخل.
وتُعد حقوق الملكية أيضًا بمثابة اختبار حاسم لمدى احترام سيادة القانون. فالدول التي تدافع عنها غالباً ما تتسم مؤسساتها بالشفافية والتوقع والمساءلة، وهي صفات ضرورية لتعزيز الثقة الاقتصادية والاستقرار السياسي. أما في الأماكن التي يعتمد فيها الأفراد على حسن نية الدولة أو موظفيها لتقرير من يحق له السكن على أرض معينة، ومتى ولأي مدة، فإن الديمقراطية التعددية الحقيقية تُقوَّض وتُدمَّر.
لكن الأثر لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل يتعداها إلى تمكين الأفراد وتيسير تنقلهم الاجتماعي. فالملكية تمنح الأفراد القدرة على اتخاذ قرارات بشأن حياتهم، وتخصيص الموارد بكفاءة، والتخطيط للمستقبل. كما توفر الملكية الأساس المادي للمشاركة المدنية، والحصول على التمويل، ونقل الثروة بين الأجيال.
وعلى الرغم من الأدلة الساحقة على أهميتها، لا يزال مليارات الأشخاص حول العالم يفتقرون إلى وثائق ملكية رسمية مأمونة لأراضيهم ومساكنهم وأعمالهم وأصولهم الأخرى الشخصية. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نحو 70٪ من سكان العالم يفتقرون إلى توثيق قانوني صريح لملكياتهم العقارية. ولا يُعدّ التصدي لهذا الخلل مجرد هدف تنموي، بل ضرورة هيكلية لا غنى عنها.
وينبغي أن تشمل الجهود الرامية لتعزيز حقوق الملكية ما يلي:
- تبسيط إجراءات تسجيل الملكية العقارية للأراضي وتقليص العوائق البيروقراطية.
- تقوية المؤسسات القضائية لتطبيق العقود وحماية الملكيات.
- تعزيز الوعي القانوني لدى الفئات المهمشة، خصوصاً النساء.
- دمج إصلاحات حقوق الملكية بشكل أقوى ضمن السياسات العامة واستراتيجيات الحوكمة.
من الفلاح الصغير الذي يعيش على الكفاف إلى الشركة متعددة الجنسيات، تمثّل ضمانات الملكية حجر الأساس لأي استثمار أو ابتكار أو ازدهار طويل الأمد. وباختصار، لا مجال لنقاش مستنير حول هذه المسألة: إن نجاح أي ديمقراطية حقيقية واقتصادها لا ينفصل عن التزامها بحرمة وكونية وقدسية حقوق الملكية الخاصة.
بقلم د. براين بنفيلد، أستاذ متقاعد في قسم الاقتصاد بجامعة ويتواترسراند.
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.