• أبريل 29, 2025

سياسة التحكم بالأسعار: التداعيات الخفية

تُعرَّف سياسة التحكم بأسعار بيع سلعة أو خدمة على أنها الحالة التي تقوم فيها الحكومة بفرض حدٍّ أقصى للسعر (يسمى “السقف السعري”) لا يُسمح قانونيًا بتجاوزه، أو أقل حدٍّ للسعر (يسمى “الحد الأدنى للسعر”) لا يُسمح قانونيًا بالنزول عنه.

تهدف سياسة تسقيف السعر إلى خفض التكلفة على المستهلك عند شراء المنتج الخاضع للتسعير، بينما تهدف سياسة الحد الأدنى للسعر إلى زيادة العائد الذي يتلقاه البائعون مقابل المنتج المعني. لكن المفارقة أن كلا المخططين يؤديان في نهاية المطاف إلى نتائج معاكسة للأهداف المعلنة.

في الأسواق الحرة غير الخاضعة لضبط الأسعار، تتحدد هاته الأخيرة من خلال تفاعل قرارات الشراء والاستهلاك الطوعية للمشترين (“الطلب”) مع قرارات الإنتاج والبيع الطوعية للبائعين (“العرض”). فإذا زاد الطلب على منتج معين لأي سبب كان — بمعنى أن المشترين أصبحوا على استعداد لشراء كميات أكبر من المنتج عند سعر معين اليوم مقارنة بما كانوا عليه بالأمس — فإن النتيجة الحتمية هي ارتفاع السعر.

وعلى الرغم من اختلاف الآليات التي تؤدي إلى هذا الارتفاع في الأسعار من سوق إلى أخرى، إلا أن النتيجة الاقتصادية العامة تكون إيجابية. فإذا أراد المستهلكون استهلاك منتج معين بكثافة أكبر، فمن المنطقي أن يزداد إنتاج هذا المنتج. ولأن زيادة الإنتاج تتطلب التخلي عن تخصيص موارد لأنشطة إنتاجية أخرى، فإن تكلفة وحدة أي منتج ستزداد عمومًا مع ارتفاع معدل الإنتاج. وباختصار، لن يزيد المنتجون الكمية المعروضة إلا إذا تمكنوا من بيعها بسعر أعلى.

ينطبق هذا المبدأ أيضًا على التغيرات في العرض. على سبيل المثال، إذا تسببت عاصفة في أضرار غير متوقعة لمنصات النفط ومصافي التكرير، فإن سعر البنزين سيرتفع انعكاسًا لشحّه المتزايد. لذلك تعكس الأسعار في السوق ظروفًا أعمق تُلخّصها مصطلحات العرض والطلب. كما أنها تدفع المشترين والبائعين إلى التصرف بطرقٍ تتسق مع هذه الظروف الأساسية. فإذا زاد الطلب على التفاح، فإن ارتفاع سعر التفاح يعكس هذه الحقيقة ويشجع المنتجين على توفير المزيد منه.

أما سياسة التحكم بالأسعار، فهي تعطي إشارات مشوهة عن الواقع، مما يدفع المشترين والبائعين إلى التصرف بطرق لا تتماشى مع الواقع الاقتصادي. فلو كان السعر الحقيقي للتفاح في السوق هو 4 دولارات للرطل، لكن الحكومة فرضت سقفًا سعريًا عند 3 دولارات للرطل، فإن ذلك يُضلل المستهلكين بإرسالهم إشارة خاطئة بشأن الندرة النسبية للتفاح، مُوحيًا لهم بأن التفاح أكثر وفرةً مما هو عليه في الواقع. والنتيجة هي أن المستهلكين سيحاولون شراء التفاح بكميات أكبر من اللازم.

ومما يفاقم هذه المشكلة هو أن تسقيف الأسعار يدفع المنتجين إلى تجاهل القيمة الحقيقية الأعلى للتفاح — التي تعكسها رغبة المستهلكين في دفع 4 دولارات — والتصرف كما لو أن المستهلكين يقدرون سعره بثلاثة دولارات فقط للرطل، مما يؤدي إلى توريد كميات أقل مما لو كان السعر أعلى بدولار واحد. والنتيجة الحتمية لذلك هي حدوث نقص في عرض التفاح.

ولا يقتصر الأمر على حدوث الشحّ في العرض فقط، بل يكون هذا النقص مصحوبًا بمشكلات أخرى أكثر دقة وأقل وضوحًا. من بين هذه المشكلات زيادة إنفاق الوقت والموارد غير النقدية الأخرى في محاولة الحصول على المنتج. فعندما تتشكل الطوابير، يقضي الأفراد وقتًا إضافيًا في محاولة شراء المنتج النادر. ما الذي يحدد مقدار هذه الموارد غير النقدية التي ينفقها المستهلكون في هذه الجهود؟

الإجابة هي قيمة المنتج في السوق. فكلما ارتفعت قيمة المنتج في السوق، زادت قيمة الوقت والموارد غير النقدية التي ينفقها المستهلكون في محاولة الحصول عليه. وبما أن تسقيف الأسعار يؤدي إلى تقليص الكمية المعروضة في السوق — مما يجعل المنتج أكثر ندرة — فإن القيمة السوقية للمنتج ترتفع فوق المستوى الذي كان سيسود في غياب ضبط الأسعار. ونتيجة لذلك، يزيد سقف السعر من إجمالي الموارد (المال والموارد غير النقدية) التي تُنفق على المنتج الخاضع للتسقيف، ما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة الإجمالية للمنتج بدلاً من خفضها.

وهناك أيضاً مورد غير نقدي يستحق الإشارة إليه بشكل خاص: أصحاب العلاقات السياسية والتجارية القوية سيكونون أكثر قدرة على الحصول على المنتج الخاضع للتسعير عبر وسائل غير سوقية. والنتيجة هي أن توزيع هذه المنتجات سيتم بطريقة أكثر تعسفًا وعشوائية مما كان سيحدث لو لم تحاول الحكومة التحكم في الأسعار. 

تنطبق نفس التحليلات الاقتصادية على نتائج سياسة الحد الأدنى للأسعار. فعندما تفرض بشكل تعسفي الحكومة سعرًا أعلى من السعر الطبيعي للمنتج في السوق، ينتج عن ذلك فائض (أي استعداد الموردين لتقديم كميات أكبر مما يرغب المستهلكون في شرائه). وكما هو الحال مع سياسة تسقيف السعر، تؤدي سياسة الحد الأدنى للأسعار إلى تقليص كميات المنتجات التي يحصل عليها المستهلكون بالفعل. فبينما تؤدي سياسة تسقيف الأسعار إلى هذه النتيجة عن طريق تقليص الكميات المعروضة، تؤدي سياسة الحد الأدنى للأسعار إلى ذلك عبر تقليص الكميات المطلوبة من المستهلكين. يخلق هذا الوضع مزايا لبعض الأطراف. فعندما يكون المنتج في حالة فائض ويمنع السعر من الانخفاض، فإن البائعين الذين تربطهم علاقات خاصة مع المشترين سيكونون أكثر قدرة على بيع منتجاتهم مقارنة بأولئك الذين لا يحظون بمثل هذه العلاقات.

وتوجد نقطة تشابه أخيرة جديرة بالذكر: تمامًا كما تؤدي سياسة تسقيف الأسعار إلى رفع القيمة السوقية للمنتج فوق مستواها الطبيعي، فإن سياسة الحد الأدنى للأسعار تؤدي إلى خفض القيمة السوقية للمنتج عن مستواها الطبيعي (رغم أن الهدف هو رفع هذه القيمة). فمن خلال تحفيز الموردين على عرض كميات أكبر مما سيُعرض بالسعر غير المُتحكم فيه وأكبر مما يرغب المستهلكون في شرائه عند السعر غير المقيد، تُغرق السوق بكميات من المنتج تفوق الطلب عليه.

الأسعار في السوق ليست مجرد أرقام عشوائية. بل هي انعكاس لواقع اقتصادي عميق ومعقد. سواء أكان —إيجابيا أو سلبيا، أو في حالة تحسن أو تدهور — يدار على أفضل وجه عندما يكشف بوضوح بفضل تحرير الأسعار. أما تحديد الأسعار، بطريقة بيروقراطية لا تحترم قانون العرض والطلب الطبيعي، فيشوِّه رؤية المستهلكين والمنتجين للواقع، ويدفعهم إلى التصرف بطرق غير عقلانية تضر بمصالحهم.

 

الكاتب دونالد ج. بودرو، عالم اقتصاد ليبرالي أمريكي، ومؤلف، وأستاذ، ومدير مشارك لبرنامج الاقتصاد الأمريكي والعولمة في مركز ميركاتوس في جامعة جورج ماسون، فيرجينيا.

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

Read Previous

كيف تتحول من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الحرة: التجربة الإستونية

Read Next

هل نحتاج حقًا إلى الدولة لتوفير العدالة؟