في القرن الأول الميلادي، وقف الإمبراطور الروماني نيرون، مفركًا يديه بحماس، ليعلن: “لنفرض الضرائب مرارًا وتكرارًا. لنفرض الضرائب حتى لم يعد أحد يمتلك شيئًا”. من الواضح أن نيرون كان مولعا بفرض ضرائب مرتفعة. لكن لم يكن نيرون وحيدا في شغفه هذا، إذ وجد على مر العصور رفاقًا يتقاسمون معه هذا الهوس الجبائي. لكن لحسن الحظ، لم يفلت كل هؤلاء السياسيين من عقاب التاريخ. فأحيانًا يُخبرهم الشعب أنهم قد طفح بهم الكيل.
عندما يشعر الناس بأن الدولة تسلبهم أكثر مما تحتمل جيوبهم، فإنهم لا يقفون مكتوفي الأيدي. بعد قرون من نيرون، أدرك جان باتيست كولبير، وزير مالية الملك لويس الرابع عشر، أن الضرائب يجب أن تكون مدروسة، وأن على الحكومات أن تتعامل بحذر مع فرض الضرائب. فقال قولته الشهيرة: “فنّ الضرائب يكمن في يكمن في نتف ريش الإوزة بطريقة تمكن الحصول على أكبر قدر من الريش بأقل قدر ممكن من الصراخ.”
على مر التاريخ، أشعلت معارضة الضرائب الظالمة أو غير العادلة نيران الغضب الشعبي، وأثارت صراعاتٍ في كل أنحاء العالم، ولا تزال تُثيرها حتى اليوم. ولا يزال هذا الدرس قائمًا حتى اليوم: الناس لا يحبون أن يتم استغلالهم بنزع المال منهم وتحويلهم لمجرد خزائن مفتوحة للحكومات. ولماذا يتصرفون بخلاف ذلك؟ فأموالهم تخصهم، وكلما زادت يد الدولة في الجباية، قلّت حيازتهم لها، وتقلصت قدرتهم على دفع فواتيرهم، وتحقيق أحلامهم، وتنمية أعمالهم، وتأمين حياتهم.
وفيما يلي إليكم ست ملاحظات جوهرية مستمدة من تاريخ واقتصاد الجبايات:
1. الضرائب قديمة قِدَم الحكومات نفسها
يعتبر فرض الضرائب من بين السمات الأساسية التي تميّز الحكومات عن أي كيان آخر. فالحكومة، وحدها، تملك السلطة القانونية لمصادرة أموالك. يمكنك رفض إعطاء أموالك لأي فرد آخر، ولكن لا يمكنك قول “لا” للحكومة دون المخاطرة بحريتك أو ممتلكاتك. وهذا يفرض على الحكومة مسؤولية خاصة في إنفاق هذه الأموال بحكمة. لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا، إذ يكون حافز الحكومة لإنفاق الأموال بشكل غير رشيد أو لإهدارها لمصلحتها الخاصة أقوى عادةً، لأن “عملائها” لا يملكون خيارًا سوى الدفع مهما كان الثمن.
2. الضرائب تأخذ أشكالاً متعددة
أكثرها وضوحًا هي الضرائب المباشرة على الدخل والمبيعات والمنتجات والخدمات والعقارات، ولكن الضرائب لا تقتصر على هذه الأشكال الواضحة حيث تفرض علينا ضرائب بطرق أخرى أقل وضوحًا، من خلال القوانين والتنظيمات الحكومية (سواء كانت جيدة أو سيئة) التي ترفع من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية. ومن يدفع؟ أحيانًا يتحمل المساهمون التكلفة. وفي أحيان أخرى، يتحمل المستثمرون التكلفة، ويدفع العمال الثمن أيضًا من خلال زيادات طفيفة في الأجور أو حتى بفقدان وظائفهم (وهو ما يمكن اعتباره في الواقع ضريبة بنسبة 100%).
3. الضرائب تؤثر على السلوك الاقتصادي
الناس يتأثرون بالحوافز والمثبطات بشكل كبير. إذا قدمت حوافز على فعل شيء ما، سيُكثر الناس منه؛ وإذا قمت بتثبيط الناس على فعل شيء ما، سيقلّون منه. على سبيل المثال، لا يتردد لحظة الساعون إلى تقليل التدخين في المناداة بفرض ضرائب مرتفعة على السجائر، لكنهم في كثير من الأحيان يُغفلون الربط بين الضرائب المرتفعة على العمل وتراجع حوافز الأفراد للعمل، أو بين ارتفاع الضرائب على الاستثمار وانخفاض رغبة الناس في الاستثمار، أو ارتفاع الضرائب على الشركات وانخفاض عدد الشركات.
4. الضرائب مرتبطة مباشرة بحجم الإنفاق الحكومي
كلما زاد إنفاق الحكومة، زادت الضرائب، سواء في الحاضر أو المستقبل، وبطريقة أو بأخرى. ويجب أن نتذكر أن الحكومة لا تملك شيئًا لتوزيعه إلا ما سلبته سابقا من أفراد آخرين. وكما قال أحدهم: “إذا كانت الحكومة كبيرة بما يكفي لمنحك كل ما تريد، فهي أيضًا كبيرة بما يكفي لأخذ كل ما لديك”.
5. الضرائب تعيق النمو الاقتصادي
إذا كان العبء الضريبي صغيرًا، وتم إنفاق العائدات بكفاءة على أمور تعود بالنفع على الجميع (مثل الأمن وحماية الممتلكات)، فيمكن للاقتصاد أن يزدهر. لكن الضرائب المفرطة تضر بالنمو الاقتصادي. وكما قال ونستون تشرشل ذات مرة: ” إن محاولة أمة فرض الضرائب على نفسها لتحقيق الرخاء أشبه برجل يقف في دلو ويحاول رفع نفسه إلى الأعلى بسحب مقبضه”.
6. الضرائب تؤثر على الجميع، وليس فقط على أولئك الذين تُفرض عليهم مباشرة
يؤيد بعض الناس فرض ضرائب أعلى على غيرهم لأنهم يظنون أنهم لن يتأثروا بها. لكن هذا الاعتقاد خاطئ في معظم الأحيان. فإذا زادت الضرائب على فرد ما، فسيكون لذلك تأثير سلبي على قراراته الاقتصادية، سواء من خلال تقليل إنفاقه على شراء المنتجات والخدمات، أو التقليل من استثماراته، أو عدوله عن المجازفة كرائد أعمال، ما يؤثر على الجميع في نهاية المطاف، بخفض خلق الثروة وفرص العمل.
الضرائب مسألة جادة وبالغة الأهمية. فرفعها أو خفضها له تأثيرات عميقة على السلوك والنشاط الاقتصادي. لكن الأهم بالنسبة لكل من يقدّر الحرية، هو أن الضرائب المرتفعة تعني أن الأفراد يفقدون تدريجيًا القدرة والحريةً في التمتع بثمار أعمالهم. وهذه حقيقة لا تقل صحة في الولايات المتحدة عنها في أي مكان آخر.
بقلم لورنس دبليو. ريد، الرئيس الفخري لمؤسسة التعليم الاقتصادي (FEE)، وزميل كبير في عائلة همفريز، وسفير عالمي للحرية لدى رون مانرز. شغل سابقًا منصب رئيس مؤسسة التعليم الاقتصادي من 2008 إلى 2019، وترأس مجلس أمنائها في التسعينيات، وكان يكتب ويتحدث لصالح المؤسسة منذ أواخر السبعينيات.
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.