في معناها الضيق، تعني الملكية الحقوق التي لدينا على الأشياء، لكن في معناها الأوسع والأدق، جميع الحقوق التي نتمتع بها هي في حقيقتها حقوق ملكية.
تُعرَّف الملكية، في تطبيقها المحدد، بأنها “السيادة التي يدعيها الإنسان ويمارسها على الأشياء الخارجية في العالم، مع استبعاد أي فرد آخر”. أما في معناها الأشمل والأكثر عدالة، فهي تشمل كل ما يمكن لأي إنسان أن يقدّره ويكون له حق فيه، دون أن يمنع شخصا آخر من التمتع بحق مماثل.
في المعنى الأول، تُعتبر الأرض أو البضائع أو الأموال ملكية خاصة. أما في المعنى الأوسع، فإن للإنسان ملكية على آرائه وحرية التعبير عنها، وله ملكية ذات قيمة خاصة على معتقداته الدينية وممارساته التي تفرضها عليه هذه المعتقدات. كما أن له ملكية غالية على سلامته الجسدية وحريته. وله كذلك ملكية متساوية في الاستخدام الحر لقدراته والاختيار الحر للأنشطة التي يوظفها فيها. وباختصار، كما يُقال إن للإنسان حقًا في ملكيته، يمكن بنفس الدرجة القول إن له ملكية في حقوقه.
عندما يسود الاستبداد، لا يتم احترام أي نوع من الملكية بشكل صحيح. فلا يكون أحد آمنًا في آرائه، أو شخصه، أو قدراته، أو ممتلكاته. أما عندما تسود الحرية المفرطة، فالنتيجة هي ذاتها، وإن كانت تنبع من سبب معاكس. إن الحكومة وُجدت لحماية الملكية بجميع أشكالها؛ سواء تلك التي تكمن في الحقوق المختلفة للأفراد، أو تلك التي تعبر عنها الملكية المادية بشكلها التقليدي. وإذا سلمنا أن هاته هي غاية الحكومة، فإن الحكومة العادلة هي التي تضمن لكل فرد ملكيته دون تحيز أو تمييز.
وبموجب هذا المعيار، فإن الثناء على أي حكومة لمجرد حرصها على حماية الممتلكات المادية للأفراد، ينبغي أن يُمنح باعتدال، بينما تفشل في تأمين حقوقهم في التعبير والتواصل الحر، وهي حقوق لا تقل أهمية عن الملكية المادية، بل قد يعتبرها البعض أكثر قيمة.
وينبغي أن يكون الثناء أقل تجاه أي حكومة تنتهك الحقوق الدينية للفرد، سواء عبر فرض العقوبات، أو اشتراط اختبارات دينية، أو فرض ضرائب لصالح مؤسسة دينية. فالضمير هو أقدس أشكال الملكية، إذ تعتمد الممتلكات الأخرى جزئيًا على القوانين الوضعية، بينما يُعد الضمير حقًا طبيعيًا غير قابل للتصرف. إن حماية منزل الإنسان كقلعته، والحرص على تسديد الديون العامة والخاصة بأقصى درجات الأمانة، لا يمكن أن يمنح أي حق لا نتهاك ضميره، الذي هو أكثر قدسية من منزله، أو حرمانه من الحماية التي تقتضيها الأمن العام وشروط العقد الاجتماعي الأصلية.
ليست الحكومة عادلة، ولا تكون الملكية آمنة تحت سلطتها، إذا كانت الملكية التي يمتلكها الإنسان في أمنه الشخصي وحريته الشخصية تُنتهك من خلال عمليات الاعتقال التعسفي لفئة من المواطنين لخدمة بقية المواطنين. فالقاضي الذي يُصدر أوامر الاعتقال لأجل التجنيد الإجباري سيكون في موقعه الصحيح في ظل أنظمة استبدادية في الشرق، حيث يتجسد الحكم المطلق في أبشع صوره.
وليست الحكومة عادلة، ولا تكون الملكية آمنة تحت سلطتها، إذا كانت القيود والامتيازات والاحتكارات التعسفية تحرم المواطنين من الاستخدام الحر لقدراتهم، والاختيار الحر لأنشطتهم، وهي التي لا تشكل فقط جزءًا من ممتلكاتهم بالمعنى العام للكلمة، بل أيضًا الوسيلة التي يكتسبون بها ملكيتهم المادية. فما الذي يجب أن تكون عليه روح التشريع في بلد يُمنع فيه صانع الأقمشة الكتانية من دفن طفله في كفن من الكتان لصالح صانع الأقمشة الصوفية؟ أو حيث يُمنع المصنعون والمستهلكون من الاستخدام الاقتصادي لأزرار الصوف، لصالح صانع الأزرار المصنوعة من مواد أخرى؟
لا توفر الحكومة أمنًا حقيقيًا للملكية إذا فرضت ضرائب غير متكافئة تثقل تضطهد نوعًا من الممتلكات وتكافئ نوعًا آخر:
حيث تغزو الضرائب التعسفية منازل الأثرياء، وتسحق الضرائب المفرطة وجوه الفقراء؛ و حيث يُنظر إلى حدة وتعدد الاحتياجات على أنها حافز غير كافٍ للعمل، وتُفرض الضرائب مرة أخرى من خلال سياسة عديمة المشاعر، كحافز إضافي؛ منتهكة بذلك الحق المقدس الذي وهبته الطبيعة للإنسان في أن يكسب رزقه بعرق جبينه، مع الاحتفاظ بقدر من الراحة يخفف عنه أعباء الحياة.
فخلاصة القول: إذا كان هناك نظام حكم يتباهى بصيانة قدسية الملكية، ويضمن ألا يُؤخذ أي شيء من الأفراد حتى لوكان ذلك بغية المنفعة العامة إلا بتعويض عادل للمالك، ومع ذلك تنتهك مباشرة ملكية الأفراد في آرائهم ودينهم وحياتهم وقدراتهم؛ بل ويتعدى ذلك إلى انتهاك بشكل غير مباشر لممتلكاتهم الفعلية عبر فرض القيود على العمل الذي يكتسبون به قوتهم اليومي وسلب ثمار جهودهم، والتعدي حتى على وقت الراحة الذي يُفترض أن يخفف من إرهاقهم ويهدئ همومهم، فسيكون الاستنتاج واضحًا: مثل هذا النظام لا يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به.
غرانت بابكوك، محرر مساعد بموقع www.libertarianism.org
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.