• أبريل 29, 2025

مشكلة المعرفة وراء الفشل الدائم للتخطيط المركزي

يجب على كل حكومة أن التخلي عن السياسات التي تفترض أن البيروقراطيين يعرفون أفضل من السوق. إن الحد الأدنى للأجور، والتحكم في الأسعار، والشركات المملوكة للدولة، وقوانين العمل التقييدية، جميعها تنبع من الاعتقاد الخاطئ بأن المسؤولين يمكنهم إدارة الاقتصاد بشكل أفضل من ملايين الأفراد ذوي التفكير الحر في سوق حرة. بل على العكس ينبغي على الحكومة تبني سياسات تسمح بالنظام العفوي، حيث تولّد المعاملات الفردية الطوعية نتائج اقتصادية. فقط عندما يتم الاعتراف بمشكلة المعرفة والثقة في السوق، يمكن للمجتمع أن يتجنب الركود ويخلق الازدهار.

أحد الأسباب الأساسية لفشل الاشتراكية والتدخل الحكومي هو ما أسماه الاقتصادي النمساوي فريدريك هايك “مشكلة المعرفة”. فلا يمكن لأي مخطط مركزي، مهما كانت درجة ذكائه أو حسن نواياه، تخصيص الموارد بكفاءة مثل كفاءة السوق الحرة. في كتابه «استخدام المعرفة في المجتمع«، قام هايك بدحض الاعتقاد الاشتراكي القائل بأن الخبراء، المُسلحين بالبيانات والنماذج، يمكنهم توجيه الاقتصاد بشكل أكثر فاعلية من السوق. وقد بين هايك بأن المعرفة في المجتمع ليست مركّزة؛ بل هي موزعة ومتفرقة بين ملايين الأفراد، كل منهم يمتلك معرفة محلية وفريدة لا لا يستطيع أي مُخططٍ بمفرده استيعابها بالكامل.

كل صاحب عمل، وعامل، ومستهلك يمتلك معرفة فريدة بظروفه الخاصة، وهذه المعرفة تتغير باستمرار ويستحيل ترجمتها إلى بيانات خام. تعمل أسعار السوق كإشارات تنسق هذه المعرفة الموزعة بكفاءة. فعندما يزيد الطلب، ترتفع الأسعار مما يشجع على الإنتاج، بينما يؤدي انخفاض الطلب إلى خفض الأسعار ويعاقب الهدر. تضمن هذه العملية الديناميكية تخصيص الموارد بطريقة عقلانية, بمعنى توجيهها للاستعمالات التي تمكن تثمينها أكثر، دون الحاجة إلى توجيه مركزي.

تعتقد الحكومات أنها يمكنها استبدال هذا النظام المعقد بآليات بيروقراطية. لكنهم تفشل دائمًا بسبب:

  • نقص لمعلومات في الوقت الفعلي. لا يمكن لأي وكالة حكومية جمع ومعالجة المعرفة الهائلة والمتغيرة باستمرار التي يمتلكها كل فرد. بينما تعمل إشارات الأسعار الموجهة بتقلبات السوق على التكيف المستمر، تظل الضوابط البيروقراطية ثابتة.
  • التحفيزات المشوهة. على عكس الشركات الخاصة التي تستجيب لإشارات الربح والخسارة، يعمل المخططون الحكوميون خارج انضباط السوق. قراراتهم مدفوعة بالتحفيزات السياسية، مما يؤدي إلى الفساد والإسراف وسوء توزيع الموارد.
  • استحالة تحديد الأسعار بدقة. لا تستطيع الاقتصادات الاشتراكية، التي تفتقر إلى آلية تسعير تعمل بشكل سليم، تحديد القيمة الحقيقية. يقوم المخططون الحكوميون بتحديد الأسعار بشكل تعسفي وعشوائيً، مما يؤدي إما إلى نقص أو فائض في السلع. على سبيل المثال، عانى الاتحاد السوفيتي من سوء توزيع مزمن؛ حيث كانت المصانع تنتج كميات ضخمة من السلع غير القابلة للاستخدام في الوقت الذي كان فيه المستهلكون يقفون في طوابير لأيام للحصول على سلع ضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
  • كبت الاكتشافات الريادية. في الأسواق الحرة، تُحفّز المنافسة الابتكار حيث يسعى رواد الأعمال لإيجاد طرق أفضل لتلبية احتياجات المستهلكين. بينما يُكبح التخطيط المركزي هذه العملية، مُستبدلًا المنافسة بضوابط تحكمية صارمة.  ومن دون التنافس الحر، ينشأ انعدام الكفاءة والركود.
  • حتى الذكاء الاصطناعي لا يمكنه تجاوز مشكلة المعرفة. يجادل البعض بأن الذكاء الاصطناعي سيحل مشكلة المعرفة ببساطة من خلال معالجة كميات ضخمة من البيانات الاقتصادية. ولكن هذا فقط ضرب من الخيال. فالذكاء الاصطناعي، مثل المخططين المركزيين البشر، يعتمد على معلومات محدودة. لا يمكنه أن يستوعب الطبيعة المتغيرة دائمًا والذاتية للمعرفة والتفضيلات الشخصية للأفراد. فالاقتصاد البشري يعمل كعملية عضوية قائمة على مبادئ التجربة والخطأ، والتكيف، والابتكار، التي لا يمكن برمجتها مركزيًا. لذلك لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي، مهما كانت قوته، أن يحل محل اتخاذ القرارات اللامركزية والعشوائية لملايين الأفراد الذين يستجيبون لتحفيزاتهم الحياتية الحقيقية.

الطريقة الوحيدة للتعامل مع مشكلة المعرفة هي السماح للسوق بالعمل بحرية. فالأفراد الأحرار، الذين يستجيبون لإشارات الأسعار والتحفيزات، يتخذون قرارات تساهم بشكل جماعي في خلق اقتصاد فعال وقادر على التكيف وقوي. لذا يجب على الحكومات التركيز على تأمين حقوق الملكية، وإنفاذ العقود، وضمان بيئة قانونية تسمح للتبادل الطوعي بالازدهار.

لكن عندما تحاول الحكومات استبدال آليات السوق بالتحكم البيروقراطي، فإنها تشل الميكانيزمات الذي تسمح للاقتصاد بالعمل. لذلك تعاني العديد من الدول التي ترزح تحت تدخل الدولة المفرط، من الركود لأنها ترفض مبادئ السوق الحر لصالح التخطيط المركزي.

 

بقلم إيستاس ديفي هو مدير مؤسسة السوق الحرة.

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

Read Previous

عندما تصبح الضرائب لعنة الشعوب: ست عبر من تاريخ واقتصاد الجبايات

Read Next

لماذا تختلف المنافسة الاقتصادية عن صراع البقاء الدارويني؟