باعتبار قيمة الحرية الاقتصادية مكونًا حيويًا لكرامة الإنسان والاستقلالية والتمكين الشخصي فإنها تعد غايةً بحد ذاتها، وعلى نفس القدر من الأهمية؛ توفر الحرية الاقتصادية صيغةً مُثبتةً للتقدم والنجاح الاقتصادي.
تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -التي تمتد من شواطئ المغرب الأطلسي إلى شواطئ اليمن على بحر العرب- أهميةً مركزيةً في الشؤون العالمية، تضم المنطقة بعضًا من أقدم الحضارات في العالم. ومع ذلك؛ فإن معظم اقتصاداتها ليست حرة، ورغم الموارد الطبيعية الهائلة، فإن معظم السكان المحليين يعانون بسبب نِسب فقرٍ وبطالةٍ مرتفعةٍ وفوارقَ اجتماعيةٍ شديدةٍ.
إذ وفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادية السنوي لمؤسسة التراث The Heritage Foundation؛ لا يوجد في المنطقة أي دولة “حرة” من الناحية الاقتصادية، ثُمَّ إن الإمارات العربية المتحدة وقطر هما الوحيدان المُصنَّفتان على أنهما اقتصادات “حرة إلى حد بعيد” في المنطقة، تعتبران الأكثر ثراءً بين الدول وتتمتعان بمستوى معيشيٍّ مرتفع مقارنةً مع سائر دول المنطقة. أما بالنسبة إلى غالبية الدول الأخرى في المنطقة فلا تزال مصنفة حسب مؤشر الحرية الاقتصادية على أنها “حرة إلى حد ما” أو “غير حرة إلى حد ما”، مع تصنيف الاقتصاد الجزائري على أنه “غير حر”. أما دول أخرى مثل سورية وليبيا والعراق واليمن لا يزال تصنيف الحرية بهم معلقًا بسبب الصراعات والحرب المستمرة.
إن المشكلات البنيوية والمؤسساتية متعددة في مختلف دول المنطقة نتيجة للتدخل الحكومي المفرط، ولا يزال نمو القطاع الخاص متخلفًا كثيرًا عن المستويات المطلوبة لتوفير فرص اقتصادية كافية للنمو السكاني. ثُمَّ إن التدفقات التجارية بين دول المنطقة ما زالت منخفضة للغاية، مما يشير إلى الافتقار إلى بيئة اقتصادية حرة فعالة. وعلى الرغم من الجهود الحكومية في العقود الماضية لتلبية المطالب الشعبية من أجل المزيد من الحرية، إلا أن الحل لم تتحسن البتة.
نتيجةً لانعدام الحرية الاقتصادية، تعاني المنطقة ضعفًا شديدًا في النمو الاقتصادي وتضخمًا مرتفعًا بنسبة 8%، ومعدلَ بطالة مرتفعًا بنسبة 9.8% (لا سيما بين الشباب بمعدل 25%)، مع تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بسبب جائحة كورونا؛ اتضحت هذه الاختلالات البنيوية أكثر وأصبح هناك سبب ملح جدًا لتمرير إصلاحات اقتصادية وسياسية عاجلة لكي لا تعرف المنطقة موجة احتجاجات جديدة.
إن التساؤل المطروح هو: لماذا باءَت جميع الجهود الحكومية للتنمية الاقتصادية في المنطقة بالفشل؟
