• سبتمبر 3, 2025

التاريخ لا يرحم: الأسواق الحرة تتفوق على الدولتية!

يكاد يكون من المؤلم مشاهدة “الدولاتيين” (Statists) عندما يُسألون: لماذا تعاني دول تنتهج سياسات تدخّل حكومي بدرجات متفاوتة – مثل فنزويلا، فرنسا، الولايات المتحدة (في عهد أوباما)، الأرجنتين، واليونان – من الركود الاقتصادي والانحدار؟ ومن المثير للحرج بنفس القدر أن تراهم يتلعثمون عندما يُسألون: لماذا تميل الدول ذات السياسات المؤيدة للسوق – مثل برمودا، إستونيا، سويسرا، الولايات المتحدة (في عهد ريغان)، تشيلي، وسنغافورة – إلى تحقيق النمو وضمان مستويات معيشة أفضل؟ لكن لا أستطيع إلا أن أزيد من ارتباكهم عبر عرض المزيد من الأدلة.

معجزة هونغ كونغ
كتب ريتشارد راهن في واشنطن تايمز عن التجربة الاقتصادية المدهشة لهونغ كونغ قائلاً:
” تُعد هونغ كونغ أقرب ما يكون إلى النموذج المثالي للرأسمالية الحرة في العالم – وقد حدث ذلك إلى حد كبير بالصدفة. البريطانيون تركوا هونغ كونغ تعتمد على نفسها… لم يكن هناك مساعدات خارجية ولا دولة رفاه لكن كان هناك حكومة كفؤة تحافظ على الأمن، تدير نظاماً قضائياً نزيهاً يحترم سيادة القانون، وتوفر بعض البنية التحتية الأساسية –. والأهم أن هونغ كونغ تمتعت بالحرية الاقتصادية، — فعلى مدى العقود الأخيرة، صُنفت هونغ كونغ كأكثر اقتصاد حر في العالم (بحسب مؤشر الحرية الاقتصادية للعالم). هذه الحرية الاقتصادية مكّنت الناس من إطلاق عدد لا حصر له من المشاريع المنتجة. وبفضل التجارة الحرة، تمكنوا من استيراد السلع والخدمات اللازمة لتغذية هذه المشاريع. … متوسط الدخل الحقيقي في هونغ كونغ أصبح موازياً لمتوسط الدخل في الولايات المتحدة، وربما سيتجاوز ضعف دخل فرنسا في بضع سنوات”.
الخلاصة واضحة: الأسواق الحرة والحكومة الصغيرة جعلت سكان هونغ كونغ أثرياء للغاية. وكأن هناك “وصفة” جاهزة لمن يريد الازدهار.

أوكرانيا مقابل بولندا
لننظر إلى مثال آخر. في مقال له في صحيفة وول ستريت جورنال، قارن السيناتور السابق فيل غرام ومايكل سولون بين السياسات الاقتصادية والنتائج في أوكرانيا وبولندا. وأوضحا أن السياسات الدولتية في أوكرانيا أعاقت النمو في بلد كان من المفترض أن يكون غنياً.
“أوكرانيا أهدرت إمكاناتها الاقتصادية بسبب الفساد المستشري والمحسوبية وسيطرة الدولة. … إذ لم يرتفع نصيب الفرد من الدخل القومي في أوكرانيا (بما يعادل الدولار الأميركي) سوى إلى 3,900 دولار عام 2013، بعد أن كان 1,570 دولارًا عام 1990. … كان ينبغي لأوكرانيا أن تكون بلدًا ثريًا لأنها تمتلك أراضي زراعية من الطراز العالمي، وتزخر بالهيدروكربونات والموارد المعدنية، ولديها قوة عاملة متعلمة جيدًا. لكن أوكرانيا بقيت فقيرة لأنها لم تستطع التخلص من أغلال التخطيط المركزي، بينما استبدلت الدول الأوروبية الوسطى مؤسساتها الاشتراكية بإصلاحات قائمة على السوق”.
بولندا كانت في نفس وضع أوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لكنها اختارت سياسات أفضل، وهي اليوم أغنى بعدة مرات. ” فاعتماد المبادئ الحرة للسوق حررطاقات وعبقرية الشعب البولندي، وقفز نصيب الفرد من الناتج المحلي من 1,683 دولاراً عام 1990 إلى أكثر من 13,432 دولاراً عام 2013. وأصبحت بولندا أسرع الاقتصادات نمواً في أوروبا … الشخص المسؤول إلى حد كبير عن هذا التحول هو ليشِك بالثيروفيتش، وزير المالية السابق ومحافظ البنك المركزي لاحقاً. خطته – المعروفة بـ خطة بالثيروفيتش – ارتكزت على السماح للشركات الحكومية بالإفلاس، حظر تمويل العجز، الحفاظ على عملة قوية، إنهاء القروض منخفضة الفائدة للشركات العامة، فتح التجارة الدولية، وتحرير العملة. … وهكذا بدأ انتقال معجزي، والبقية أصبحت جزءًا من التاريخ.”.

المقارنات عديدة… والنتيجة واحدة
إذا كان هذا المقال تناول مثال دولتين فقط، فالقائمة طويلة: كوريا الجنوبية مقابل كوريا الشمالية، سنغافورة مقابل جامايكا، السويد مقابل اليونان… والنتيجة واحدة لا مفر منها: الأسواق الحرة تتفوق على الدولتية. وهذه مجرد تكرارات سابقة لهذا التمرين.

عندما يُعرض هذا النوع من الأدلة، غالباً ما يحتج اليساريون بأن بعض دول أوروبا اليوم غنية رغم حكوماتها الضخمة. هذا صحيح – لكن من المهم أن نفهم أن تلك الدول أصبحت غنية عندما كانت حكوماتها صغيرة. وعندما كبُر حجم القطاع العام، لجأت بعض هذه الدول بذكاء إلى تعويض ذلك عبر تبني سياسات فائقة التحرير في مجالات أخرى (مثل التجارة أو البيئة الاستثمارية).

الأدلة واضحة ومتكررة: الأسواق الحرة تولّد الرخاء، أما الدولتية فتخنقه. لذا، يمكن للمرء أن يتفهم – ولو بدرجة ضئيلة جداً – حجم المشقة التي يعانيها أصدقاؤنا في اليسار عندما يحاولون التمسك بآراء تتناقض بهذا الشكل مع الواقع العالمي.

بقلم دانيال ج. ميتشل – زميل أول سابق في معهد كاتو.

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://www.cato.org/commentary/simple-lesson-we-should-learn-global-economics

Read Previous

الأسس الفكرية للحمائية