• يوليو 31, 2025

القومية الاقتصادية تعني فراغ المحافظ!

القومية الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية مما يُلحق الضرر بالمستهلكين!

عادت القومية الاقتصادية إلى الواجهة من جديد. ففي واشنطن، أصبح شعار “اشترِ أمريكيًا” الموضة السائدة، يعد بإجبارية شراء المنتجات الأمريكية، وتفضيل الإنتاج المحلي، وحماية “الوظائف الأمريكية”. هذا التوجه لم يكن حكرًا على دونالد ترامب، بل شكّل ركيزة أساسية أيضًا في سياسات إدارة جو بايدن السابقة.

قد يبدو ذلك مغريًا للوهلة الأولى. فمن يعارض توفير المزيد من الوظائف للأمريكيين، أو تعزيز الصناعات الوطنية، أو حتى تحقيق نوع من الاستقلال الاستراتيجي عن بعض سلاسل التوريد العالمية؟ لكن خلف هذه الشعارات البراقة تختبئ حقيقة مزعجة: مبدأ “اشترِ أمريكيًا” لا يعاقب الشركات الكبرى، بل المستهلك الأمريكي العادي وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين يدفعون الثمن في نهاية المطاف.

صرح بيبر هوارد، المدير التنفيذي لشركة Oka Brands للأحذية، لموقع: ” Axios لم يعد أحد يرغب بـ شعار ‘صُنع في الولايات المتحدة الأمريكية’ بعد الآن.” ولأن شركته تتعامل مع علامات تجارية ضخمة مثل New Balance وWalmart، لاحظ أنه كانت هناك ردود فعل سلبية في الخارج. حيث أن المبالغة في النزعة القومية داخل البلاد تؤدي إلى ردود فعل مماثلة في الخارج، ما يقلّص مبيعات الشركات الأمريكية في الأسواق الدولية، ويجعلها تعتمد أكثر على المستهلك الأمريكي لتعويض الفجوة التي تركها الزبائن في كندا، كوريا الجنوبية، واليابان.

ويؤدي فرض التوريد والإنتاج داخل الولايات المتحدة إلى بدائل أكثر تكلفة، وأقل كفاءة، ومتخلفة تكنولوجياً في معظم الصناعات. وتشير الأبحاث إلى أن كل “وظيفة محلية” يتم خلقها أو الحفاظ عليها بهذه الطريقة، تكلف دافعي الضرائب أكثر من القيمة الفعلية لتلك الوظيفة نفسها. هناك سبب منطقي وراء انتقال هذه الوظائف إلى الخارج في المقام الأول.

وفقًا لمعهد كاتو، فإن تطبيق قواعد “اشترِ أمريكيًا” في بعض القطاعات قد يرفع تكلفة الوظيفة الواحدة في بعض القطاعات إلى أكثر من 250,000 دولار، وهو ما يترتب عنه أسعار أعلى للمستهلك، وخيارات أقل، واقتصاد أقل ديناميكية. ولكن من الصعب سياسيًا الترويج لفكرة “اقتصاد ديناميكي” مقارنة بـ”خلق الوظائف. “فالمجر مثال حيّ. فقد دعت إلى إعادة توطين الصناعات، وخلقت “أبطالًا وطنيين” في قطاعات التكنولوجيا والزراعة. النتيجة؟ ارتفاع في الأسعار، احتكار، شركات خاضعة لسيطرة مُعينين سياسيين، وازدياد في استياء المستهلكين. في النهاية، اضطر رئيس الوزراء فيكتور أوربان إلى فرض قيود على الأسعار للتخفيف من نتائج السياسات التي كان هو نفسه من دافع عنها.

أما فرنسا وإيطاليا فليستا استثناءً، كلتا البلدين اتبعا مسارات مشابهة وواجها نتائج مقلقة بالقدر نفسه. تدخّلت الدولة الفرنسية في شركات مثل “رينو”، وعرقلت اندماجها مع “نيسان”، مما أضعف من قدرتها التنافسية وزاد من تدخل السياسيين في قرارات الشركات. ومع تصاعد الخطاب الوطني، روجت فرنسا لحملات مثل “كُل فرنسيًا”،)، لكنها رغم ذلك واجهت نفس النتيجة تقريبًا: ارتفاع أسعار الغذاء وتقييد خيارات المستهلكين. أما إيطاليا، فسلكت نفس المسار؛ حيث أدى سعي الحكومة لحماية علامة “صُنع في إيطاليا” في قطاعات الموضة والنسيج إلى تشويه الأسواق، وإقصاء الشركات الصغيرة، وزيادة الأسعار. أضف إلى ذلك إنقاذ شركة الخطوط الجوية الوطنية “أليطاليا”، وستجد أن القومية الاقتصادية كثيرًا ما تضحي بالكفاءة من أجل حسابات سياسية قصيرة المدى. وسرعان ما يشعر الناخبون بخيبة الأمل عندما يكتشفون أن “اليوتوبيا الموعودة” تأتي بثمن باهظ.

الضرائب، الرسوم الجمركية، وفرض الإنتاج المحلي كلها تنعكس في نهاية المطاف على بطاقات الأسعار. كل ما نشتريه — من الملابس إلى الأجهزة المنزلية — يوجد في سوق عالمي. وكما هو الحال دائمًا، يدفع الفقراء الثمن الأكبر لهذه السياسات.

الشعارات مثل “صُنع في أمريكا” لا تزعج الأغنياء والميسورين، فزيادة الأسعار بالنسبة لهم لا تعني سوى فرق طفيف في ميزانياتهم الشهرية. لكن معظم الأمريكيين يقولون إنهم يعيشون من راتب إلى راتب. ولهذا تنتشر متاجر التخفيضات مثل Aldi و Lidl و Dollar General بسرعة في أنحاء البلاد. ومع ذلك لا يزال البعض يجادل بأن “اشترِ أمريكيًا” يعزز سلاسل التوريد ويجعل أمريكا أكثر استقلالية، لكن لا شيء يجعل الأمريكيين أكثر هشاشة من الديون الاستهلاكية والاعتماد المتزايد على بطاقات الائتمان كل شهر لشراء الطعام والدواء.

القومية الاقتصادية هي الشعبوية بزيّ وطني رخيص الصنع. قد تحظى بشعبية سياسية، لكنها هشة ولا تدوم طويلًا. وقد أثبت التاريخ مرارًا أن الحمائية الاقتصادية تعاقب المستهلك أولًا، والسياسي أخيرًا — سواء في أوروبا، أمريكا اللاتينية، أو الولايات المتحدة.

لا يزال بإمكان أمريكا تفادي هذا الفخ، لكن الساسة نادرًا ما يحبذون تذكير الناخبين بضرورة تقدير ما لديهم. فالوعود الزائفة، حتى إن كانت مكلفة، تظل السبيل الأسرع للفوز بالانتخابات.

بقلم: زولتان كيس – نائب برلماني سابق في المجر ومدير شؤون حكومية في مركز اختيار المستهلك

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

https://fee.org/articles/economic-nationalism-means-empty-wallets/

Read Previous

مرآة توكفيل

Read Next

سياسات إعادة توزيع الدخل: كيف نوازن بين العدالة والكفاءة؟