• يوليو 1, 2025

حذار من الوقوع في فخ الاشتراكية

في أوساط الجامعات وعلى تيك توك وفي الحوارات اليومية، هناك خطاب مألوف أصبح يكتسب زخمًا متزايدًا: “الرأسمالية فاشلة”. ووفقًا لاستبيان أجراه عام 2024 «معهد الشؤون الاقتصادية»، فإن أكثر من 60٪ من الشباب البريطاني أصبحوا ينظرون إلى الاشتراكية بشكل إيجابي. وفي الولايات المتحدة، يتشابه الاتجاه، حيث تزداد شكوك جيل “زد” تجاه وعود الرأسمالية.

لكن الكثير من هذا المثالية ينبع من البعد الناتج عن غياب التجربة—فمعظم الشباب الذين يُجملون صورة الاشتراكية لم يعيشوا يومًا آثار اختلالها الاقتصادي أو قمعها السياسي. فالذين عايشوا أزمات ندرة السلع في الاتحاد السوفيتي، والانهيار في فنزويلا، أو الدولة البوليسية في ألمانيا الشرقية يعرفون أن كلمة “اشتراكية” لا تعني العدالة أو الفرص، بل تعني الخوف، والفشل، والتحكم. ولهذا السبب فرّ الكثيرون من تلك الأنظمة إلى بلدان أكثر حرية. فما يبدو نقيًا ورديا نظريًا، غالبًا ما ينقلب إلى كابوس في الواقع. لكن إلقاء اللوم على الرأسمالية عن كل شيء ليس في محله تبسيط مخل. الجاني الحقيقي هو رأسمالية المحسوبية و”الواسطة” السياسية، ذلك التحالف غير المقدّس بين الحكومة الكبيرة والشركات الضخمة، الذي يشوه الأسواق، ويعطل المنافسة، ويكافئ العلاقات السياسية والنفوذ على حساب الإبداع الحقيقي.

وهم فشل السوق

الرأسمالية الحقة  تقوم على التبادل الطوعي. فهي تكافئ الشركات التي تلبي احتياجات ورغبات الناس، حيث يقرر المستهلكون ما الذي ينجح وما الذي يفشل. المنافسة تدفع نحو التحسين، والابتكار، وخفض الأسعار. لا يُجبر أحد على الشراء أو البيع؛ فحرية الاختيار هي السائدة. أما رأسمالية المحسوبية، فهي شيء مختلف تمامًا. في نظام المحسوبية، تنجح الشركات ليس بخدمة الزبائن، بل بالواسطة والتقرب من السياسيين. وتأتي الأرباح من حزم الإعانات والدعم الحكومي، من الحماية المصطنعة والقوانين المصممة لسحق المنافسة.

الأزمة المالية لعام 2008، والتي تُستشهد بها كثيرًا كدليل على فشل الرأسمالية، كانت في الواقع مثالًا لما يحدث عندما يتم التلاعب بالأسواق. فقد تم إنقاذ البنوك المتهورة بأموال دافعي الضرائب بدلًا من تركها تنهار كما تستحق. وخسر الناس العاديون وظائفهم ومنازلهم، بينما نجا المرتبطون سياسيًا وازدهروا. لم تكن هذه رأسمالية حرة، بل كانت محسوبية صريحة. وقد جاءت جائحة كوفيد-19 لتكون فصلًا مظلمًا آخر. حيث أُجبرت الشركات الصغيرة على إغلاق أبوابها بأوامر حكومية، بينما حققت الشركات العملاقة مثل أمازون، التي استطاعت مواصلة العمل بقيود أخف أو على الإنترنت، أرباحًا قياسية. وتحوّلت السياسات الصحية إلى أدوات تخدم الميزانيات الضخمة لشركات معينة، في حين تُركت المشاريع المحلية على قارعة الطريق.

المحسوبية على جانبي الأطلسي

المحسوبية ليست ظاهرة مقتصرة على بلد واحد أو حزب سياسي بعينه. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، تظهر الأعراض نفسها. في أمريكا وكندا والمملكة المتحدة، أصبح حلم امتلاك منزل بعيد المنال بشكل متزايد بالنسبة للشباب. وغالبًا ما يلقى اللوم على ما يُسمى بـ “فشل السوق”، لكن السبب الحقيقي يكمن في طبقات من العوائق التي تفرضها الحكومات: بينما أن العقبات الحقيقية هي قوانين تقسيم الأراضي، تصاريح البناء المعقدة، والبيروقراطية المعطلة. المقاولون الكبار يستفيدون، لأنهم يستطيعون تحمّل تكاليف هذا النظام أو التأثير عليه. أما الآخرون فيُقصون من السوق.

هناك أيضًا خرافة مستمرة مفادها أن الشركات الكبرى تخشى تدخل الحكومة. لكن الواقع مختلف؛ فالشركات الكبرى غالبًا ما ترحب بهذا التدخل والتعقيد القانوني، لأنه يُبقيها في القمة. عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك وغوغل يمارسون الآن الضغط من أجل سنّ مزيد من القوانين، وهم يعلمون أن القواعد الجديدة المعقدة ستخنق المنافسين الأصغر الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف توظيف جيوش من المستخدمين لتيسير الامتثال القانوني. وحتى الإعانات الحكومية للطاقة الخضراء، التي يُفترض أنها تهدف إلى مكافحة التغير المناخي، كثيرًا ما تصبّ في جيوب الشركات ذات العلاقات القوية المرتبطة بالحكومة، بينما تُقصي المبتكرين الجدد. فالمحسوبية لا تكافئ أفضل الأفكار، بل تكافئ أفضل جماعات الضغط.

لماذا غضب جيل زد مشروع

يؤمن جيل زد بالعدالة والإبداع والحرية — وهي المبادئ ذاتها التي تقوّضها المحسوبية. فعندما يصبح النفوذ السياسي أهم من الكفاءة، وحين يعتمد النجاح على المحاباة الحكومية بدلًا من رضا المستهلك، تتضاءل الفرص ويتباطأ الابتكار. لكن الجيل زد مخطئ حين يعتقد أن “الاشتراكية” ستكون بديلاً أفضل خصوصًا مع ما شهدته جميع الدول الاشتراكية من واسطة وتميّز ظالم.

الرغبة في البحث عن الخلاص عبر سلطة الدولة ليست جديدة. فقد بدأت الاتحاد السوفياتي بوعد بالمساواة، لكنها انتهت بالقمع والندرة (باستثناء النخب الحزبية). ووعدت فنزويلا بـ”الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين”، لكنها جلبت الجوع والانهيار الاقتصادي والقمع السياسي. في المقابل، البلدان التي تبنّت حرية السوق — حتى ولو بشكل غير مثالي — حققت ازدهارًا غير مسبوق. فقد ساهمت الأسواق الحرة في إخراج المليارات من براثن الفقر، وأطلقت العنان لابتكارات غيّرت وجه العالم الحديث. اقتصادات السوق ليست خالية من العيوب. لكنها تترك الباب مفتوحًا أمام الجميع لتحقيق النجاح، وليس فقط لمن وُلدوا في بيئة ميسورة أو لديهم علاقات نافذة بالدوائر السياسية.

صوب غضبك إلى الهدف الصحيح

غضب جيل زد حقيقي ويستحق التفريغ. لكن الحل ليس في هدم الرأسمالية، بل في هدم المحسوبية. فمستقبل أكثر حرية وعدالة يعتمد على فصل المال عن النفوذ السياسي، لا على خلطهما معًا. وهذا يعني إنهاء الامتيازات الممنوحة للشركات الكبرى، وتبسيط القواعد الناظمة للّعبة، وضمان أن تكون المنافسة — وليس العلاقات — هي من تحدد الفائز. فالنضال من أجل العدالة يستحق العناء. لكن لا بد أن يُوجَّه في الاتجاه الصحيح. فإذا وجّهنا غضبنا نحو المحسوبية بدلًا من الرأسمالية، يمكننا أن نبني مستقبلًا تزدهر فيه الابتكارات، وتصبح فيه الفرص حقيقية، ويحظى فيه كل فرد من الجيل زد بفرصة حقيقية للارتقاء.

غضب جيل زد حقيقي ويستحق التفريغ. لكن الحل ليس في هدم الرأسمالية، بل في هدم الواسطة. المستقبل الحر والعادل يتطلب فصل المال عن النفوذ، وإنهاء رعاية الدولة للمؤسسات الكبرى، وتبسيط قوانين اللعبة، حتى تكون المنافسة وليس العلاقات هي من تحدد الفائز. 

بقلم ليكا كوبشافيدزه كاتبة سياسية وتحليلية جورجية، ورفيقة في “أصوات ناشئة – أوروبا”، متخصصة في السياسات الأوروبية والأمن الإقليمي.

 لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا:

https://fee.org/articles/falling-for-socialism/

 

Read Previous

حقوق الملكية: المحرك الخفي وراء الازدهار والتقدم

Read Next

لماذا لا تقوم الرسوم الجمركية عجز الميزان التجاري؟