• نوفمبر 25, 2025

دفاعًا عن الثروة

الاستثمارات الخاصة هي التي تدفع بعجلة الابتكار إلى الأمام.

أحد أكبر العوائق التي تمنع اليساريين من فهم الاقتصاد هو سوء فهمهم المرضي لطبيعة الثروة. فمتوسط الاشتراكيين/الشيوعيين يظن أن المليارديرات محاطون بأكوام من النقود القذرة المكدّسة في أوكارهم، خاملة لا تُستخدم. وكأنّ جيف بيزوس وإيلون ماسك يقضيان أيامهما مستلقيَين على جبال من الدنانير الذهبية والدوبلونات، يصنعان “ملائكة ثلجية” بأموال “منهوبة”.
وقد عانيتُ مؤخراً من هذا الوهم “فائق القوة التدميرية” في مناظرة استضافتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، تلك المؤسسة الحكومية التي سقطت هيبتها منذ زمن. دُعيت لمناقشة مزايا وعيوب “الأثرياء جدًا”، أمام شخص قُدِّم على أنه “كوميدي وناشط”. ولم يكن مفاجئًا أن أواجه آراءً كوميدية بقدر صفته.
كان موضوع النقاش هو حزمة التعويض الجديدة لماسك بصفته الرئيس التنفيذي لشركة تسلا. فإذا نجح في تحقيق مجموعة من الأهداف بالغة الطموح—نسخة صناعية حديثة من أعمال هرقل الأسطورية—فإنه قد يصبح خلال عشر سنوات أول تريليونير في التاريخ. ولندرك حجم صعوبة هذه الأهداف، يكفي أنّ من بينها بيع مليون روبوت بشري من طراز “أوبتيموس. هذه الروبوتات ما تزال غير جاهزة، ولم يُبع أي منها حتى الآن. كما يحتاج ماسك إلى بيع عدد من سيارات تسلا خلال السنوات العشر المقبلة يفوق بمقدار مرتين ونصف ما بِيعت الشركة عبر كامل تاريخها. أمام هذه الاحتمالات، قد يفضل هرقل مواجهة أسد نيمي أو الثور الكريتي.
وإذا حقّق ماسك تلك الأهداف، فسيكون قد حوّل تسلا إلى أكبر وأربح شركة شهدها العالم، وخلق قيمة اقتصادية تفوق ما حققه أي رجل أعمال في التاريخ. وسيجني المستثمرون الذين وافقوا على هذه الصفقة أكثر من 7 تريليونات دولار. هذا فضلًا عن المساهمة في مواجهة التغير المناخي، إذ ستفعل تسلا في هذا المجال أكثر مما سيفعله ناشط بيئي أو حزب “أخضر”.
والسؤال: ماذا سيفعل ماسك بتريليون دولار إن حصل عليها؟ بالنظر إلى سلوكه وسلوك كثير من الأثرياء، فالجواب الأرجح: سيعيد استثمارها كلها في التقنيات المُغيّرة للعالم التي يعمل أصلًا على تطويرها. ولستُ في الحقيقة ممثلاً مدفوعاً لماسك، لذلك لن أعددها جميعاً، لكن يكفي أن نأخذ شركة نيورالينك مثالاً واحداً. تخيّل ما الذي يمكن أن تفعله هذه الشركة بدعم من تريليونير؟ قد يحصل المصابون بالشلل، وخاصة الأطفال في أفقر البلدان، على تقنيات تغيّر حياتهم كلياً.
والأمر نفسه ينطبق على كثير من أصحاب الثروات الهائلة. ومن بين المفضلين لديّ، رجل غير معروف كثيراً يُدعى جو ليمانْدت. بعد أن أسّس شركة ناجحة لدرجة أن ثروته الشخصية بلغت 6 مليارات دولار، وجّه ليمانْدت اهتمامه نحو التعليم. ففي مدرسة تجريبية يديرها في الولايات المتحدة، استطاع بنظام تعليم قائم على ساعتين فقط يوميًا من التدريس المدعوم بالذكاء الاصطناعي أن يرفع مستوى الطلاب ليحققوا نتائج ضمن أعلى 1% على مستوى أمريكا، وأن يجعلهم شغوفين بالمدرسة لدرجة أنّهم يطلبون إلغاء العُطل.
وبعد أن اكتشف أسرار المدرسة الحديثة الناجحة، قرر ليمانْدت أن يكرّس حياته لتوسيع هذا النموذج في أمريكا ثم عبر العالم كله. ومن المثير أنّ الولايات المتحدة تنفق تريليون دولار سنويًا على التعليم، بنتائج لا ترتقي إلى هذا الإنفاق. تخيل ماذا يمكن لرائد أعمال مثله أن يفعل لو أُتيح له هذا القدر من الموارد.
والحقيقة أنّ قدرة المليارديرات على تمويل مشاريع عملاقة وجريئة (وفي بعض الحالات، نحو القمر حرفياً) يجعلهم يهتمون بالنتائج أكثر بكثير مما لو كانت أموال دافعي الضرائب تُصرف بواسطة بيروقراطيين. فالمكلّف الضريبي لا يتحمّل تكاليف هذه المشاريع الطموحة، بينما يدفع المستثمرون الناجحون ثمن الفشل ويربحون ثمن النجاح، مما يضمن الجدوى التجارية.
والدليل؟ قارن بين وكالة ناسا وشركة سبيس إكس. عندما عُلِق رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية العام الماضي، لم يكن المنقذ هيئة حكومية. كانت شركة خاصة.
وليس مستغربًا أن اليساريين لا يفهمون كيف يعمل العالم الحقيقي؛ فهم ببساطة لا يعيشون فيه. بل إنهم لا يعرفون حتى كيف يعدّون. لكن إذا ظهر تريليونيرات قادرون على إحداث ثورة في نظام التعليم وغيره، فربما عندها سيتعلمون.

بقلم جيمس برايس، مستشار رفيع سابق في الحكومة البريطانية وزميل أول في معهد آدم سميث
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://fee.org/articles/in-defense-of-wealth/

Read Previous

باستيا وتفكيك مغالطات الأسعار بين الحماية والتجارة الحرّة