• يوليو 31, 2025

رؤية آدم سميث للسياسة التعليمية

كان آدم سميث، الاقتصادي والفيلسوف الأسكتلندي الشهير، يرى أن التعليم يجب أن يكون متاحاً للجميع، وأن تمويله ينبغي أن يُبنى على أسس من العدالة ويُصمم بطريقة تحفز على تقديم خدمة تعليمية عالية الجودة.

فما الذي كان يراه سميث بشأن التعليم الأساسي؟ كانت أولى اهتماماته هي كيفية تمويله. ففي القرن الثامن عشر، لم يكن الطلاب يدفعون رسوماً مباشرة لما نسميه اليوم “المدرسة” مقابل تعليمهم، بل كانوا يدفعون أجوراً مباشرة للمعلم— تمامًا كما يفعل الناس اليوم مع الدروس الخصوصية أو دروس الموسيقى. وقد أشاد سميث بهذا الترتيب، واعتبره عادلًا ومفيدًا.

ورغم إدراكه أن الفقراء “لا يملكون وقتاً كافياً لتلقي التعليم”، إلا أنه كان يعتقد أن من الضروري توفير قدر أساسي من التعليم للجميع، حتى لأبناء الطبقات الكادحة. يقول سميث في كتابه ثروة الأمم:

“مع أن عامة الناس لا يمكنهم ، في أي مجتمع متحضر، أن يتلقوا تعليماً جيداً كأولئك الذين ينتمون إلى الطبقات الثرية، فإن الأجزاء الجوهرية من التعليم – كالقراءة والكتابة والحساب – يمكن اكتسابها في سن مبكرة جداً، بحيث يتمكن معظم أولئك الذين سيتوجهون إلى أبسط المهن من تحصيلها قبل أن يُوظَّفوا في تلك المهن. وبتكلفة بسيطة للغاية، يمكن للدولة أن تسهّل وتُشجّع، بل وتُلزم كامل أفراد الشعب تقريباً بتحصيل هذه الأجزاء الأساسية من التعليم.”

لكن كيف كان يرى سميث أنه يمكن تحقيق هذا المستوى الأساسي من التعليم؟ يقول:

“يمكن للدولة أن تيسر اكتساب هذا التعليم بإنشاء مدرسة صغيرة في كل حي أو منطقة، حيث يمكن تعليم الأطفال لقاء أجر معتدل إلى درجة أن حتى العامل العادي يتمكن من دفعه؛ على أن يتقاضى المعلم جزءاً من أجره من الدولة، وليس كله. لأنه إن كان يتقاضى أجره كله، أو حتى الجزء الأكبر منه، منها، فسوف يتعلم سريعًا إهمال عمله.”

ويُقرّ سميث بأن ما يدفعه الطلاب من رسوم قد لا يكون كافياً لتعويض المعلم بشكل عادل. وفي هذه الحالة، يرى أن الفجوة يمكن سدها من خلال مصادر تمويل محلية: كريع أراضٍ زراعية مخصصة لهذا الغرض، أو من فوائد مبالغ مالية تُدار من قبل أمناء لصالح التعليم، وأحياناً من تبرعات شخصية، أو من الحاكم نفسه. ويُشير سميث إلى العديد من مصادر التمويل المحتملة، لكنه يستبعد صراحةً تمويل التعليم من «الإيرادات العامة [الضريبية] للدولة

ويُذكّر سميث بأن التعليم تاريخياً لم يكن مدعوماً من الإيرادات الضريبية العامة. ففي اليونان وروما القديمتين، كان الفلاسفة والخطباء يأخذون على عاتقهم تعليم من يرغب، دون أي دعم مالي من السلطة، عدا تخصيص مكان معيّن للتدريس…  لم تكن هناك أية امتيازات تعادل الحصول على شهادة تخرج، ولم يكن الحضور في أي من تلك المدارس ضروريًا لكي يُسمح للفرد بممارسة أي مهنة أو حرفة معينة…». لكن هل كان سميث يلمّح إلى أن تمويل التعليم من الإيرادات العامة قد يكون أمرًا عادلاً؟  ليس تماماً. حيث يوضح:

“إن نفقات المؤسسات التعليمية والدينية تعود، بلا شك، بالفائدة على المجتمع ككل، ويمكن بالتالي أن تُغطّى – من دون ظلم –من خلال مساهمة عامة من قبل المجتمع بأسره. ومع ذلك، قد يكون من الأنسب – وربما من المفيد – أن تُموّل هذه النفقات بالكامل من قِبل أولئك الذين يستفيدون مباشرة من هذا التعليم والتكوين، أو من خلال المساهمات الطوعية لأولئك الذين يرون أنهم في حاجة إلى أحدهما أو كليهما.» أي إن سميث كان يرى أن تمويل التعليم من الضرائب العامة ليس ظلماً، لكن من الأفضل – إن أمكن – أن يُموّل من المستفيدين أنفسهم، أو من فاعلي الخير.

وبينما قد يعتقد البعض أن هذا يعني الدعوة لإنشاء وزارة تعليم مركزية، غير أن هذا الاستنتاج يُخطئ فهم وجهة نظر سميث. لأن هذا الأخير في الحقيقة لم يدعُ إلى أن تقوم الدولة بتوظيف المعلمين، بل كان حذراً في تقييد تدخل الدولة بهذا الشكل المباشر. كما كان دقيقاً في التمييز بين مصادر التمويل. في رأيه، من الملائم بنفس القدر – بل وقد يكون أكثر فائدة – أن يتحمل نفقات التعليم من يستفيدون منه مباشرة (أي الطلاب وأسرهم) أو المحسنون الراغبون في دعم تعليم الآخرين. ويؤكد سميث صراحةً أن هذا الترتيب قد يمنح «بعض الفوائد»، بل قد يكون ذلك أفضل للمجتمع.

هذا الموقف يتسق مع رؤيته العامة: العديد من المشاريع التي تعود بالنفع على “المجتمع بأسره” لا ينبغي بالضرورة أن تُموَّل من الإيرادات العامة. فمشاريع البنية التحتية مثلاً، “تعود فائدتها المباشرة والفورية على أولئك الذين يسافرون أو ينقلون البضائع من مكان إلى آخر، وعلى أولئك الذين يستهلكون تلك البضائع، وبالتالي من العدل أن يتحملوا التكلفة.” ومن خلال تمويلها بواسطة الرسوم والضرائب المحلية المفروضة على المستخدمين، فإن المستفيدين منها “يُعفون بذلك الإيرادات العامة للمجتمع من عبء كبير.”

كان سميث يسعى إلى تخفيف العبء الضريبي العام، لا زيادته. وقد رأى أن التمويل المحلي والرسوم التي يدفعها المستفيدون بشكل مباشر يمكن أن تُغطي “العبء الكبير” الذي تمثله النفقات العامة على الطرق.

أفلا يمكن لهذا المنطق أن ينطبق أيضًا على المليارات التي تُنفقها الحكومة اليوم على التعليم؟

بقلم بول د. مولر أستاذ مساعد في الاقتصاد بكلية الملك في نيويورك.

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

https://www.libertarianism.org/columns/adam-smith-public-policy-education

Read Previous

سياسات إعادة توزيع الدخل: كيف نوازن بين العدالة والكفاءة؟

Read Next

هل تدخل الدولة نعمة أم نقمة؟