المنطق الذي اعتمده فريدريك هايك صحيح: العدالة الاجتماعية تتطلب معاملة الناس بشكل غير متساوٍ.
العدالة الاجتماعية من تلك المصطلحات المطاطة التي يصعب تعريفها بدقة. لكن ما نعلمه على وجه اليقين هو أن العدالة الاجتماعية ليست هي العدالة الكلاسيكية ذاتها، ذلك المفهوم العريق الذي كان محور اهتمام مفكرين عظام كأرسطو وأفلاطون وأوغسطينوس وتوما الأكويني ودايفيد هيوم. ولو كانت العدالة الاجتماعية تعني نفس ما تعنيه العدالة، لكان توصيفها ب“اجتماعية” غير ضروري.
منذ عقود، وأثناء حديثه مع ويليام باكلي الابن عن مفهوم العدالة الاجتماعية، وصف الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، فريدريك هايك، هذا المصطلح بأنه “مفهوم عديم المعنى. قال هايك»: الجميع يتحدث عن العدالة الاجتماعية، ولكن إذا سألتهم عن المعنى الدقيق لما يقصدونه بالعدالة الاجتماعية، أو ما يعتبرونه عدالة، فلا أحد يعرف الإجابة. وأضاف: “لقد كنت أحاول طوال العشرين سنة الماضية أن أسأل الناس: ما هي مبادئكم بالضبط؟ «
إذا بحث أحدهم عن مصطلح “العدالة الاجتماعية” على محرك جوجل، فسيجد التعريف التالي: العدالة الاجتماعية : هي العدالة في توزيع الثروة، والفرص، والامتيازات داخل المجتمع. من هذا التعريف يتضح سريعًا الفرق الجوهري بين العدالة والعدالة الاجتماعية. فبالنسبة لأرسطو، وشيشرون، وآباء الدستور الأمريكي، مفهوم العدالة يُطبّق على الأفراد. أما دعاة العدالة الاجتماعية، فيرون أن العدالة مفهوم جماعي، يُطبّق على المجتمعات.
كيف تُطبق العدالة الاجتماعية؟
تفترض عقيدة العدالة الاجتماعية ضمنًا أن على الدولة تصحيح الاختلالات غير المشروعة في الثروة والامتيازات. ولكن، كيف يتحقق ذلك عمليًا؟ هايك كان يعلم الجواب جيدًا. ففي مقابلة له مع باكلي، أوضح لصحفي شاب يُدعى جيف غرينفيلد أن العدالة الاجتماعية تقتضي معاملة الأفراد بشكل غير متساوٍ.
قال هايك: “المطلب الكلاسيكي هو أن تُعامل الدولة جميع الناس على قدم المساواة، رغم تفاوتهم الكبير في الواقع. لا يمكنك أن تستنتج من هذا أنه، بما أن الناس غير متساوين، فيجب أن تُعاملهم بشكل غير متساوٍ لجعلهم متساوين. وهذا بالضبط هو جوهر العدالة الاجتماعية: إنها مطلب بأن تُعامل الدولة الناس بشكل مختلف من أجل وضعهم في نفس المرتبة… إن جعل المساواة بين الناس هدفًا للسياسات الحكومية سيفرض على الدولة أن تُعامل الأفراد بشكل غير متساوٍ إلى حد بعيد.”
وهنا تكمن المعضلة بالنسبة لدعاة العدالة الاجتماعية. فالدستور الأمريكي يمنع الدولة من حرمان المواطنين من “الحماية المتساوية بموجب القانون“، ما يجعل تمرير تشريعات تُعامل الناس بشكل مختلف يُعد، في الواقع، أمرًا معقدًا وصعبًا من الناحية القانونية والدستورية.
كيف يبدو “تصحيح الاختلالات”؟
لذا، رأينا في السنوات الأخيرة نسخة أكثر ليونة من العدالة الاجتماعية، حيث تتولى الشركات الخاصة والجامعات النخبوية، بدلًا من التدخل الحكومي المباشر، تصحيح “الاختلالات” في الثروة والامتيازات ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك جامعة هارفارد، التي وُجهت إليها اتهامات بالتمييز ضد المتقدمين من أصول آسيوية. فخلال المحاكمة، اعترف أحد عمداء الجامعة بأن هارفارد تستخدم معايير قبول مختلفة تعتمد على العِرق والجنس للمتقدمين.
فعلى سبيل المثال، يجب على الطلاب الآسيويين الحصول على درجة لا تقل عن 1350 في اختبار SAT لكي يتلقوا رسالة دعوة للتقديم، أي أعلى بـ 250 نقطة من الحد الأدنى المطلوب لطلاب المدارس الثانوية من الأمريكيين الأصليين، والسود، واللاتينيين.
قال آدم مورتارا، محامي المدّعين: “لقد انخرطت جامعة هارفارد – ولا تزال – في تمييز متعمد ضد الأمريكيين من أصل آسيوي.”أما مسؤولو الجامعة، فدافعوا عن أنفسهم بالقول إنهم يحاولون “كسر حلقة الظلم” التاريخي. لكن ذلك يثبت، في واقع الأمر، صحة ما قاله هايك: العدالة الاجتماعية تتطلب معاملة الناس بطريقة غير متساوية.
فمعاملة الطلاب الآسيويين بشكل مختلف، وبما يضر بمصالحهم، هو تمييز – بغض النظر عن الأهداف الأخلاقية السامية التي تستشهد بها هارفارد.
وهنا تبرز المسألة الجوهرية في عصرنا، ومصدر أغلب الصراعات السياسية التي نشهدها الآن: هل ينبغي أن نعامل الناس على قدم المساواة؟ أم أن من المشروع أن نعاملهم بشكل مختلف بناءً على العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية، لتصحيح اختلالات جماعية في “الثروة والفرص والامتيازات” داخل المجتمع؟
قد يختار المرء أحد الجانبين، لكن لا يمكن إنكار أن هناك خيارًا يجب اتخاذه. فبغض النظر عن التلاعب بالألفاظ، منطق هايك سليم: العدالة الاجتماعية تتطلب معاملة الناس بشكل غير متساوٍ.
لقد فشلت أمريكا، كما يخبرنا التاريخ، في الالتزام بمبدأ معاملة الناس على قدم المساواة، وكانت النتائج كارثية.
ولا ينبغي لنا أن نكرر الخطأ ذاته.
بقلم جوناثان ميلتمور، المدير الإبداعي السابق لموقعFEE.org التابع لمؤسسة التعليم الاقتصادي
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.