• أبريل 29, 2025

الحكومة المحدودة ليست فكرة غربية بحتة

هناك سبب جعل ماو تسي تونغ يحاول طمس منسيوس من الذاكرة بعد وصوله إلى السلطة سنة 1949.

 

منذ زمن بعيد، كتب عالم صيني: “الشعب هو العنصر الأهم في الأمة؛ تأتي الأرض والمحاصيل في المرتبة التالية، أما الحاكم فيعدّ الأقل أهمية”. بل إن هذا الحاكم يجب أن يحكم برضا الشعب، وإذا ما تحول إلى طاغية، فإن للمحكومين كل الحق في التخلص منه، بطريقة أو بأخرى.

تعود هذه الأفكار إلى رجل حكيم يُدعى منسيوس (372-289 ق.م)، والذي يُعتبر أحد أكثر الفلاسفة تأثيرًا في التاريخ الصيني، إن لم يكن الثاني بعد كونفوشيوس (551-479 ق.م). ومع ذلك، فإن معظم معرفتنا بتعاليم كونفوشيوس تأتي من خلال تفسير منسيوس، مما يجعل البعض يجادل بأن تأثيره كان أعظم من تأثير معلمه. والجدير بالذكر أن هذين الرجلين هما الفيلسوفان الصينيان القديمان الوحيدان اللذان تم تحويل اسميهما إلى اللغة لاستخدامها في الغرب.

تأتي هذه المقالة استكمالًا لمقال سابق بعنوان “فلاسفة الصين العظماء كانوا سيصابون بالهلع مما صنعه ماو والحزب الشيوعي الصيني”، وفي هذا الصدد زعمت بأن “منسيوس فسّر كونفوشيوس وأخذ تعاليمه إلى استنتاجاتها المنطقية، وهو ما يمكن أن يُعرّفه محبو الحرية اليوم بأنه نسخة قديمة من الليبرالية الكلاسيكية في القرن التاسع عشر.” 

منسيوس ومبادئ الحرية الاقتصادية

يذكر مايكل هارت في كتابه المائة: تصنيف الأفراد الأكثر تأثيرًا في التاريخ أن من بين المبادئ التي نادى بها منسيوس حرية التجارة، الضرائب الخفيفة، وحق الشعب في الثورة:

يؤمن منسيوس بأن سلطة الملك تأتي من السماء، ولكن إذا أهمل الملك رفاهية الشعب، فسيتم الإطاحة به بحق. وبما أن هذا الجزء الأخير ينقض الأول عمليًا، فإن منسيوس كان يؤكد، قبل جون لوك بقرون، أن للشعب الحق في الثورة ضد الحكام الظالمين. وقد أصبحت هذه الفكرة مقبولة على نطاق واسع في الصين… وعلى مدار اثنين وعشرين قرنًا فقد دُرست أفكاره في منطقة شملت أكثر من 20٪ من سكان العالم، وهو تأثير لا يكاد يضاهيه سوى عدد قليل من الفلاسفة عبر التاريخ.

أما جيمس ليج، عالم اللغة الإسكتلندي في القرن التاسع عشر والمتخصص في النصوص الصينية القديمة، فقد لاحظ أن منسيوس “المفضل لدى حكام الصين”، لأنه، كأي كونفوشيوسي مخلص، لم يكن يؤمن بالحق الإلهي لأي سياسي. وهي الفكرة التي لم يبدأ الأوروبيون في قبولها إلا بعد مئات السنين من منسيوس.

يرى منسيوس أن القادة يجب أن يكونوا على أعلى درجة من الأخلاق، وأن يعاملوا “رعاياهم” وفقًا لذلك. ويجب أن تكون يكون حكمهم أشبه بلمسة لطيفة تحفز الأفراد على العيش بنزاهة وشرف. ولذلك، كان منسيوس هذا المفكر الصيني القديم يتمتع بشعبية أكبر بين المحكومين مقارنة بشعبيته بين الحكام. 

وعندما فرض ماو تسي تونغ الشيوعية على الصين سنة 1949، حاول رمي منسيوس في حفرة الذاكرة الأورويلية وطمس تعاليمه بذريعة أنها جزء من ماضي الصين “الإقطاعي المنحط”. ولكن بطبيعة الحال السبب الحقيقي لهذا العداء واضح: ماو لم يكن ليسمح بوجود فيلسوف يدعو إلى التشكيك في السلطة، ويدافع عن التجارة الحرة والملكية الخاصة، ويرى أن الفرد وعائلته أهم من الدولة، بل ويجيز تحدي الدولة إن تحولت إلى أداة قمع.

رفض التدخل الحكومي والضرائب المرتفعة

كان منسيوس يرى أن هدف الدولة ليس خدمة نفسها أو معاملة الناس كرعايا بلا حقوق، بل خلق بيئة يزدهر فيها الأفراد بحرية. وقد حدد عدة مبادئ أساسية للحكم العادل، منها:

• ينبغي للدولة أن تعامل الجميع بطريقة نزيهة حتى تكون قدوة حسنة.

• يجب ألا تتجاوز الضرائب تسع العائد الذي يكسبه الشعب.

• لا ينبغي للدولة أن تتدخل في تحديد الأسعار في الأسواق، وقد عبر عن ذلك بقوله:”إذا كان الحذاء الفاخر والحذاء الرديء بنفس السعر، فهل سيحرص أحد على صناعة الحذاء الجيد؟”

ويشير بول ميني إلى أن منسيوس كان شديد الانتقاد للحكام الذين يفرضون الضرائب الثقيلة على شعوبهم بينما يتباهون بحياة الترف التي يعيشون:

يُروى أنه في أحد حواراته، سأل ملكٌ منسيوس عما إذا كان يجوز تخفيض الضرائب الثقيلة التي فرضها تدريجيًا، بحيث يقللها على مراحل حتى يتوقف عنها تمامًا بعد عام. فكان رد منسيوس بمثال لاذع: تخيل أن هناك رجلًا يستولي كل يوم على دجاجة من دجاجات جاره، فيأتيه أحدهم وينصحه بأن هذا ليس من شيم الرجل النبيل، فيسأل اللص: هل يمكنني أن أقلل السرقة إلى دجاجة واحدة كل شهر، لأتوقف عن ذلك تمامًا بعد عام؟” ثم اختتم منسيوس بحكمة بليغة: “إذا علم المرء أن فعلا م غير أخلاقي، فعليه أن يتوقف عنه فورًا.”

كان الكونفوشيوسيون مثل منسيوس يدركون أن الدولة ليست كيانًا مطلق السلطة، وأن الحكومة، حتى لو كانت قادرة على إدارة جميع جوانب الحياة، فإن ذلك سيكون غير أخلاقي. لقد كان الكونفوشيوسيون يقدرون الحرية ويعيشون وفقًا للمبدأ الأخلاقي: “لا تفعل للآخرين ما لا تحب أن يُفعل لك.”

وفي الغرب، يُفترض غالبًا أن الحرية والحكومة المحدودة هي أفكار غربية بحتة، ولكن الفلاسفة الشرقيين مثل كونفوشيوس ومنسيوس يُثبتون أن هذه القيم ليست حكرًا على الغرب. فقد أدركوا، منذ أكثر من ألفي عام، أن الحرية والحكومة المحدودة من أسس الفضيلة، وأن الحكومة الضخمة المستبدة هي عدو الفضيلة ذاتها.

إن الأفكار العظيمة لا تموت، والحكمة الحقيقية تمتد عبر العصور والثقافات. وقد أثبت منسيوس، منذ أكثر من ألفي سنة، أن الدولة العادلة هي تلك التي تحمي حقوق الأفراد، وتحافظ على حريتهم، ولا تتدخل في شؤونهم إلا بما يحقق العدل.

فهل آن الأوان لأن نتعلم من هذه الحكمة القديمة؟

 

لورانس دبليو (“لاري”) ريد هو الرئيس الفخري لمؤسسة FEE، وزميل أول في عائلة همفريز، وسفير رون مانرز العالمي للحرية. شغل سابقًا منصب رئيس مؤسسة FEE من عام 2008 إلى عام 2019.

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

Read Previous

محاربة اللامساواة: سيادة القانون أم النهب القانوني؟

Read Next

ماهية المِلكية