• أبريل 29, 2025

رونالد كوز

في الثاني من أيلول المنصرم وعن عن عمر يناهز 102 عاما توفي الاقتصادي رونالد كوز أستاذ فخري في كلية القانون بجامعة شيكاغو. كل حياته يمكن تلخيصها في كفاحه ضد “اقتصاد السبورة السوداء”، أي تلك النظرية الاقتصادية البعيدة جدا عن العمليات الاقتصادية الضرورية في الواقع……

إيمانويل مارتان*

في الثاني من أيلول المنصرم وعن عن عمر يناهز 102 عاما توفي الاقتصادي رونالد كوز أستاذ فخري في كلية القانون بجامعة شيكاغو. كل حياته يمكن تلخيصها في كفاحه ضد “اقتصاد السبورة السوداء”، أي تلك النظرية الاقتصادية البعيدة جدا عن العمليات الاقتصادية الضرورية في الواقع.

لقد نشرت أول مساهمة رئيسية له في سن مبكرة -عاما 21- حول “طبيعة الشركة” سنة 1937. ففي الوقت الذي يفترض فيه الاقتصاد الكلاسيكي الجديد كفاءة السوق التامة من حيث تنسيق الأنشطة الاقتصادية، تساءل كوز عن سبب تواجد الشركات، تلك التنظيمات المتواجدة في بحر من المبادلات السوقية. إجابته كانت بأن العمل بنظام الأسعار يمكن أن يكون مكلفا وذلك لوجود تكاليف المعاملات في الواقع. أما الشركات فهي متواجدة لأنها تمكن الفاعلين الاقتصاديين من اقتصاد هذه التكاليف. بالطبع يعتبر تنظيم الشركة أيضا مكلفا، لكن هذه الأخيرة تعتبر الحل الأمثل بين تكاليف المعاملات في السوق و تكاليف التنظيم في شكل شركة.

لقد عُرف كوز كذلك بمقاله لعام 1960 عن مشكل الكلفة الاجتماعية. وقد أثر هذا الأخير في النظرية القانونية والاقتصادية، وبالتأكيد فتح مجال التحليل الاقتصادي للقانون. ففي هذا المقال انتقد كوز مفهوم العوامل الخارجية السلبية حسب آرثر-س-بيجو، حيث أن العامل الخارجي السلبي لا يترجم على مستوى نظام الأسعار كتلوث المصانع. ونظرا لهذا الإعتقاد “بفشل السوق”، كان بيجو يرى أن الدولة يجب أن تتدخل وتفرض الضرائب على منتج العامل الخارجي السلبي. فانتقاد كوز لبيجو كان من جهة عدم التناسق النظري لأن تصور النظرية الكلاسيكية الجديدة لبيجو هو في الواقع تصور حيث تكاليف المعاملات فيه منعدمة، بمعنى أن مختلف الأطراف (الملوِّث والملوَّث) قد تتفاوض بسهولة حول حل يرضي الاثنين في إطار ذاك التصور. لكن وبشكل أكثر أهمية، فإن مفهوم تكاليف المعاملات كان يستدعى على الفور ضرورة دراسة النظام القانوني ودور وجود حقوق الملكية من عدمها.

تسليط الضوء على “الهيكل المؤسساتي” وتكاليف المعاملات كان له نتائج على مستوى فهم كل من التنظيم الصناعي والاقتصاد البيئي. وبالتالي فالنهج الذي اتخذه كوز ساهم إلى حد كبير في النهوض بهذه النظرية المؤسساتية التي فتحت الطريق أمام العمل بتوليفات مختلفة حقوق الملكية كوسيلة للحفاظ على البيئة وإدارة أعمال الشركة بفعالية.

هناك أيضا مساهمات أخرى قيمة لكوز. ففي سنة 1974 حين صدر كتابه المسمى “المنارة الساحلية في الاقتصاد”، ساهم كوز في دراسة تاريخ السلع العامة حيث أبرز أن هناك سلعا عامة كالمنارة- و التي شيدت أماكن وأوقات مختلفة من طرف القطاع الخاص. في مقال آخر مهم بالرغم من أنه كان أقل شهرة كُتب في سنة 1974 “سوق السلع وسوق الأفكار”، استطاع كوز من جديد انتقاد المثقفين الذين يدعون إلى تقنين المنافسة على مستوى سوق السلع والذين في الوقت نفسه يثنون خيرا على حرية التعبير التي تعكس غياب هذه القوانين في سوق الأفكار. ففي الحالتين معا يشير كوز إلى أن التنظيم المركزي للسوق محكوم بالفشل بسبب فشل السياسات التنظيمية  وأن المنافسة هي أضمن سبيل لاكتشاف وإزالة الخطأ في كل من السوقين.

لم يسمح رونالد كوز فقط بتقريب نوعين من التخصصات من جديد : القانون والاقتصاد، اللذان لطالما تم فصلهما بشكل مصطنع في التخصص الأكاديمي، بل إنه ساعد نظرية اقتصادية مجردة على العودة إلى مسارها الواقعي، مؤكدا في ذلك على الجانب المركزي للشركة و حقوق الملكية.

Read Previous

لماذا تهرب وتهاجر كفاءاتنا العربية العلمية؟

Read Next

جميس بوكانان