• مايو 22, 2025

فريدريك هايك: الدولة الرعائية والطريق إلى العبودية

في كتابه الشهير الطريق إلى العبودية، حذّر المفكر الليبرالي النمساوي فريدريك هايك من أن منح الدولة الصلاحيات اللازمة لإنشاء نظام دولة رفاهية قد يهدد الحريات السياسية الأساسية.

 

رفض هايك النظرية القائلة إن النازية كانت رد فعل مؤيد للرأسمالية نظرية خبيثة. وبدلاً من ذلك، رأى أن صعود الفاشية والنازية لم يكن رد فعل ضد الاتجاهات الاشتراكية في الفترة السابقة، بل نتيجة حتمية لتوجهاتها. لم يكن هايك يقول بأن الاشتراكية تؤدي بالضرورة إلى الفاشية، لكنه أصرّ على أن التخطيط المركزي للاقتصاد لا بد أن يفضي إلى شكل من أشكال الاستبداد.

 

وقد عبّر هايك عن قلقه من احتمال أن يحذو الاشتراكيون البريطانيون حذو نظرائهم الألمان، حيث لاحظ إعجاب العديد من المثقفين اليساريين قبل الحرب بالنموذج الاقتصادي الفاشي. واعتبر أن المناخ الفكري السائد في بريطانيا في أربعينيات القرن العشرين شبيه بذلك الذي ساد ألمانيا في العقدين الثاني والثالث من القرن نفسه. لقد خشي من أن الإجماع الشعبي على استصواب التخطيط الاقتصادي المركزي من شأنه أن يدفع بريطانيا تدريجياً نحو الاستبداد، أو ما أسماه “الطريق إلى العبودية“.

 

لم يشك هايك في نوايا الاشتراكيين الحسنة وسعيهم لتحسين أوضاع مواطنيهم، لكنه شكك في مدى توافق الاشتراكية والديمقراطية عملياً، وليس فقط من الناحية النظرية. فبعد وصول الاشتراكيين إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ستؤدي الخلافات البرلمانية والجمود السياسي إلى إحباطهم، ما قد يفضي إلى الدعوة لتولي شخصية “قوية” لتنفيذ مشروعهم الاشتراكي—وبالتالي نشأة ديكتاتور شعبي.

 

ورغم أن الاشتراكيين في القرن العشرين غالباً ما تحدثوا بلغة الحرية وأظهروا تمسكاً بالثقافة الديمقراطية، فإن جذور الفكر الاشتراكي المبكر كانت تميل إلى أساليب الحكم الاستبدادية وتبغض الديمقراطية، كما يتضح في كتابات هنري سان سيمون وغيره في القرن التاسع عشر. لكن تحت تأثير الحماسة الديمقراطية التي سبقت ثورات عام 1848، تبنى الاشتراكيون خطاب الحرية بغرض استغلال أقوى الدوافع السياسية التوق إلى الحرية لتحقيق تعبئة سياسية . واتهم هايك الاشتراكيين باستخدام مفاهيم الديمقراطية والحرية، وخصوصا تحويلهم هاته الكلمات إلى “ألفاظ جوفاء مجردة من معناها الحقيقي”. لقد روّجوا لما سموه “حرية جديدة”، والمقصود بها “الحرية الاقتصادية” أو التحرر من الحاجة، وهو ما اعتبره هايك مجرد إعادة صياغة لمطلب قديم: التوزيع المتساوي للثروة.

لكن الاسم الجديد منح الاشتراكيين مصطلحًا آخر مشتركًا مع الليبراليين، فاستغلوه على أكمل وجه” لذلك، خشي هايك أن يؤدي سعي الاشتراكيين إلى الحرية الاقتصادية لتدمير “الحرية السياسية” الحقيقية، التي عرّفها بأنها “التحرر من الإكراه” و”السلطة التعسفية للآخرين”.

 

ورأى هايك أن الاشتراكيين سعوا إلى القضاء على “استبداد العوز الماديبتعويضه باستبداد الدولة. فقد حاولوا توزيع السلطة بالتساوي من خلال مركزية واحتكار ممارستها تحت مظلة الدولة وباسم الشعب. وكان يخشى من أن يؤدي هذا التمركز في السلطة إلى نتائج كارثية، مستشهداً بمقولة اللورد أكتون: “ السلطة تميل إلى أن تفسد؛ والسلطة المطلقة تفسد بشكل مطلق“. وعلى الرغم من أن الاشتراكيين كانوا يأملون في “ديكتاتورية الخير”، فإن طبيعة السلطة نفسها تضمن وصول أسوأ أنواع الناس لا أفضلهم إلى قيادة حكومة استبدادية.

 

وذهب هايك إلى أن الملكية الخاصة لطالما كانت هي الضمانة الأساسية لتوزيع السلطة ومنع احتكارها. ففي ظل نظام السوق، تتوزع وسائل الإنتاج بين العديد من الملاك الخاصين، فلا يمتلك أحد سلطة مطلقة على الآخر. أما بإلغاء الملكية الخاصة، فإن الاشتراكية تُقوِّض الأساس الذي تقوم عليه الحريات الديمقراطية كافة.

 

وللدلالة على ذلك، استشهد هايك بشهادة الشيوعي السابق ماكس إيستمان. هذا الأخير كان قد زار الاتحاد السوفيتي في عشرينيات القرن الماضي، لكنه سرعان ما أصيب بخيبة أمل من حكومة ستالين الاستبدادية، رغم أنه دعم تروتسكي حتى اغتاله عملاء ستالين. وبحلول أربعينيات القرن الماضي، نبذ إيستمان الشيوعية تماماً وأصبح من أنصار هايك والمدافعين عن الحرية الفردية. وأكد إيستمان إن كارل ماركس نفسه “هو من أبلغنا… أن تطور الرأسمالية الخاصة بسوقها الحرة كان شرطًا أساسيًا لتطور جميع حرياتنا الديمقراطية”. لكنه للأسف – أي ماركس – “لم يخطر بباله قط… أنه إذا كان الأمر كذلك، فقد تختفي هذه الحريات الأخرى مع إلغاء السوق الحرة”.

 

ولذا، رأى هايك أن صون الحريات الديمقراطية يقتضي حماية قدسية الملكية الخاصة ونبذ التخطيط الاقتصادي المركزي. فالتخطيط يُلغي التنافس الحقيقي ويُنتج دولة شمولية تحتكر “السلطة القسرية”. وبدلاً من التنافس في السوق، سيضطر الناس إلى الضغط على الدولة للحصول على “حصة في ممارسة هذه السلطة التوجيهية”، التي ستصبح “السلطة الوحيدة الجديرة بالامتلاك، حسب وصفه“.

وهكذا، بحسب هايك، تُنتج الاشتراكية طبقة أرستقراطية جديدة من البيروقراطيين والمخططين المركزيين الذين يقررون من يستحق تلقي سخاء الحكومة ومن يدفع كلفته. والأسوأ من ذلك أن الهدف الاشتراكي النبيل المتمثل في تأمين الاستقرار المادي للناس كي يخاطروا بثقة، ينقلب إلى نتيجة عكسية: ألا وهي مجتمع خائف من المخاطرة.، وبهذا ستتحول الدولة البريطانية إلى ما يشبه “ الدولة البيروقراطية” الألمانية القديمة ;(Beamtenstaat) حيث تهيمن عليه ثقافة البحث عن الأمان لا عن المبادرة. وبالتالي سيكون للضمان الاجتماعي آثارٌ وخيمة، حيث ستخبو جذوة الابتكار في النفوس البريطانية.

 

 

بقلم بول ماتزكو باحث مشارك في معهد كاتو والمحرر السابق لقسم التكنولوجيا والابتكار في موقع Libertarianism.org

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.

https://www.libertarianism.org/columns/hayek-vs-beveridge-welfare-state-hayeks-road-serfdom

Read Previous

مونتسكيو: التجارة مفتاح السلام والازدهار وحسن النية

Read Next

الناس قبل الأرباح: شعار نبيل ولكن…