يمكن تصور الحرية السلبية على أنها غياب القيود الخارجية، بينما تعني الحرية الإيجابية غياب القيود الداخلية.
يشغل التمييز بين الحرية السلبية والإيجابية حيزا كبيرًا من الجدل بين المفكرين السياسيين، سواء كانوا مؤيدين للسوق الحرة أم لا. ويلعب هذان المصطلحان دورًا مهمًا في الفلسفة السياسية على مستوى ترسيم حدود التدخلات المسموح بها للدولة، فضلاً عن تحديد ما هو الغرض من وجود الدولة في المقام الأول. ولهذا كل المهتمين بالأفكار السياسية والراغبين في نقاشها بطريقة هادفة، سوف يستفيدون من فهم هذين النوعين من الحرية.
أوجه الخلاف بين الحرية السلبية والإيجابية
إذا أردنا تبسيط الأمور وتعريف كل نوع بكلمتين فقط، يمكن القول إن الحرية السلبية تعني “الحرية من”، بينما الحرية الإيجابية تعني “القدرة على”. طريقة أخرى للتمييز بينهما، رغم صعوبة الأمر، هي أن نرى الحرية السلبية كغياب للقيود الخارجية، في حين أن الحرية الإيجابية تعني غياب القيود الداخلية.
لنوضح ذلك بمثال: لنفترض أن جاك يعيش في نيويورك ويرغب في السفر إلى كاليفورنيا لزيارة عائلته. في إطار مفهوم الحرية السلبية، يُعتبر جاك حرًا في الذهاب إلى كاليفورنيا طالما أنه لا يوجد من يمنعه من القيام بذلك. وبالتالي، في هذه الحالة، تُنتَهك حرية جاك السلبية فقط إذا قام جاره بحبسه في القبو، أو إذا سرق شخص ما سيارته.
لكن ماذا لو كان جاك فقيرًا لدرجة أنه عاجز عن شراء سيارة أو تذكرة طيران؟ وماذا لو كان مريضًا وبالتالي غير قادر جسدياً على القيام بالرحلة؟ في هذه الحالات، لا يوجد شخص يمنع جاك من الذهاب إلى كاليفورنيا، لذا تظل حريته السلبية غير منتهكة. ومع ذلك، يفتقر جاك إلى القدرة على تحقيق رغبته، وبالتالي فهو غير حر من وجهة نظر الحرية الإيجابية.
الحرية السلبية والإيجابية ودور الدولة
في سياق الفلسفة السياسية، وفيما يتعلق بما يُسمح للدولة بفعله وما يجب عليها فعله، فإن الدولة تحمي الحرية السلبية لجاك، عندما تمنع الجار من حبس جاك وتمنع اللص من سرقة سيارته. إذا كانت الدولة غير قادرة على منع هذه الأفعال المحددة، فقد تقوم بمعاقبة الجناة، مما يقلل من احتمال حدوث انتهاكات مماثلة للحريات. بالإضافة إلى أو بدلاً من معاقبة المخالفين، قد تجبر الدولة الجاني على تعويض جاك، في سعيها لإعادة الأمور إلى نصابها.
أما الدولة التي تركز على تعزيز الحرية الإيجابية لجاك بشكل مباشر، فهي قد تسعى لفرض ضرائب على المواطنين لشراء السيارة التي لا يستطيع جاك تحمل تكلفتها، أو قد تستخدم تلك الإيرادات لدفع تكاليف الرعاية الطبية التي يحتاجها جاك ليستعيد صحته ويتمكن من السفر. الدولة التي تركز اهتمامها على الحرية الإيجابية ستتخذ إجراءات فعالة لضمان أن جاك ليس فقط حرًا في متابعة رغباته فحسب، بل لديه أيضًا الموارد لتحقيقها.
وجهات نظر مؤيدي السوق الحرة حول الحرية السلبية والإيجابية
غالبًا ما يعتقد مؤيدو السوق الحرة أن دور الدولة يجب أن يقتصر على حماية الحرية السلبية، ولا ينبغي لها التدخل مطلقًا لتعزيز الحرية الإيجابية. ويعود ذلك جزئيًا إلى أنه من أجل منح بعض الأفراد الموارد اللازمة لتحقيق رغباتهم يتعين على الدولة سلب تلك الموارد من آخرين. للتذكير، المال الذي يستخدمه جاك لشراء سيارة أو دفع فواتير طبية هو مال لم يعد متاحا لفرد آخر لشراء سيارته أو علاج نفسه (وهذا يعني إلى حد ما كما أنه الدولة سرقت سيارة من شخص من أجل إعطائها لشخص آخر، وهو انتهاك للحرية السلبية للضحية). ومن هذا المنظور، فإن تدخل الدولة لتوفير هذه الموارد يُعتبر انتهاكًا للحرية السلبية للأفراد الذين تُسحب منهم تلك الموارد. وإذا حاولت الدولة تجنب ذلك، على سبيل المثال، عن طريق إجبار الطبيب على تقديم الرعاية الطبية لجاك مجانًا، فإنها تنتهك حرية الطبيب السلبية في استخدام وقته كما يرى مناسبًا.
علاوة على ذلك، يعتقد مؤيدي السوق الحرة أن الدولة التي تسعى إلى تحقيق الحرية الإيجابية لا تؤدي فقط إلى تقليص مستوى الحرية السلبية، بل أيضًا إلى تقليص مستوى الحرية الإيجابية. فمن خلال السماح للأفراد بالاحتفاظ بثمار عملهم، تسهم الدولة في نمو الاقتصاد، مما يوفر المزيد من الموارد للجميع لتحقيق رغباتهم. الدول التي تضع الحرية الإيجابية فوق الحرية السلبية ينتهي بها الأمر في الغالب إلى أن تصبح أكثر فقرا. ومن هنا، يدافع مؤيدو السوق الحرة على المبدأ الذي بمقتضاه كل حكومة تهتم حقًا بالحرية الإيجابية للفقراء، يجب أن ينحصر دورها فقط في حماية الحرية السلبية للمواطنين.
لكن في بعض الأحيان، قد يبالغ مؤيدو السوق الحرة بتوظيف هذه الحجج كأدلة على أن الحرية الإيجابية غير موجودة أو أنها ليست شيئاً ينبغي أن نوليه اهتمامًا كبيرًا. إلا أنني لا أعتقد أن هذا صحيح تماما. فرغم أنه يجب علينا دائمًا أن ندرك الخط الفاصل بين الحرية السلبية والإيجابية في سياق دور الدولة، يجب علينا أيضًا أن نُدرك أهمية الحرية الإيجابية بالنسبة لكل واحد منا.
أنا شخصيًا أؤدي العمل الذي أقوم به لأنني أعتقد أنه ذو قيمة ولأنني أستمتع به. ولكنني أؤديه أيضًا لأن هذا العمل يتيح لي الحصول على الحرية الإيجابية أي القدرة على تحقيق أشياء أخرى أقدرها، مثل تأمين الطعام والمأوى (ورعاية طبية، وسيارة) لعائلتي، وكذلك شراء الكثير من الكتب التي ربما لن أجد الوقت لقراءتها أبدًا.
إذا كانت الحرية السلبية هي كل ما يهم في أي سياق، لما كان لدينا سبب لتفضيل عالم مليء بالثروة على آخر مليء بالفقر، طالما أن لا أحد يمنعنا – في أي من العالمين – من فعل أي شيء نريده.
في بعض الأحيان، يتم الاعتراض على استخدام مصطلح “الحرية” للإشارة إلى الحرية الإيجابية بحجة أن الحرية الحقيقية الوحيدة هي الحرية السلبية فقط، وقد يكون هذا صحيحًا في بعض الحالات. في الواقع، قد يؤدي السماح باستخدام مصطلح “الحرية” لوصف كل من الحرية السلبية والإيجابية إلى صعوبة انتقاد دولة تحاول الترويج للأولى على حساب الثانية. فعلى كل حال، من منا يرغب في أن أن يجد نفسه في موقف يجادل ضد “الحرية”؟
لذلك، قد يكون من الأفضل القول إن الحرية السلبية هي الحرية الحقيقية، في حين ينبغي لنا إعادة تسمية الحرية الإيجابية بمصطلح آخر مثل “القدرة” أو “القوة”. ومع ذلك، لا ينبغي لنا تجاهل التمييز بين النوعين كما يُستخدم اليوم في الأدبيات، أو ألا نسمع لأولئك الذين يرغبون في مواصلة الحديث عن الحرية الإيجابية.
آرون روس باول مديرً ومحررً سابق لموقع Libertarianism.org، وهو مشروع تابع لمعهد كاتو.
لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.