• أغسطس 30, 2025

لا، الأنظمة الاستبدادية لا تصنع اقتصادات عظيمة!

ينشر القادة الشعبويون في أمريكا وخارجها خرافة مفادها أن الديمقراطيات الليبرالية تعيق النمو الاقتصادي السريع. وكما يوضح ستيفن هاغارد في دراسته المنشورة عن الدول التنموية (Developmental States) لدى جامعة كامبريدج:
“وفقًا لأدبيات الدولة التنموية، يمكن للدكتاتوريات التغلب على مشاكل العمل الجماعي داخل وخارج الحكومة التي تعيق صياغة سياسات متماسكة، كما تتجاوز الضغوط الشعبوية والسعي إلى تحقيق الريع السعي، وبالتالي تدفع الاقتصاد نحو مسار نمو أكثر كفاءة.”
ويزعم الشعبويون أن الأنظمة الاستبدادية ذات الطابع الشعبوي يمكنها تحقيق نتائج أفضل من الأنظمة الاستبدادية التي يقودها النخب، لأنهم قادرون على توجيه كل هذا الغضب الشعبي ضد الأقليات، والمتمردين، وواحد في المئة من الأغنياء، والأجانب، ووسائل الإعلام “الكاذبة”، وأعداء الشعب الآخرين لإعادة بناء الاقتصاد. فبالنسبة لهم، الحقوق الإجرائية والعمليات الديمقراطية ما هي سوى عقبات أمام السياسات المتماسكة التي ستقودنا بشجاعة إلى “جعل الاقتصاد عظيمًا من جديد”.

في كتابي المشترك مع مات وارنر، التنمية بكرامة: تقرير المصير، التمكين المحلي، ونهاية الفقر (2022)، وجدنا ببساطة أنه لا يوجد أي تفوق للاستبداد. فعندما نتجنب انتقاء الأمثلة والاستثناءات وندرس معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الوسيط لكل البلدان المتاحة بياناتها بين 1960 و2018، نجد أن الديمقراطيات تتفوق على الأنظمة الاستبدادية. مقارنة معدلات النمو الوسيطة بين الديمقراطيات والاستبداديات، تبين أيضا أن الديمقراطيات تتفوق بشكل عام.
أما في الدول منخفضة الدخل بشكل خاص، فقد وجدنا أن النمو في الأنظمة الديمقراطية كان أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا مقارنة بالأنظمة الاستبدادية. بالطبع، هناك استثناءات مثل سنغافورة ورواندا، لكن الاستثناءات لا تشكل نموذجًا عامًا قويًا. بالإضافة إلى ذلك، الأدلة تشير إلى أن “القيادة القوية” ليست عاملًا حاسمًا في تحقيق النمو الاقتصادي.

خذ مثلًا حالة الصين التي شهدت نموًا مذهلًا وسريعًا. فما السبب؟ يزعم حكام الصين بأن غياب الديمقراطية وحكمة القادة الاستبداديين هو ما يفسر هذا النمو. لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك. فقد بينت دراستان لـ شينغ هونغ وتشاو نونغ (2009) أنه بعد أخذ الإعانات والدعم الحكومي في الاعتبار – مثل المعاملة الضريبية التفضيلية، والدعم الضمني، والقروض المدعومة من البنوك الحكومية – تبيّن أن الشركات المملوكة للدولة التي تبدو مربحة هي في الواقع تتكبد الخسائر. وبعد دراسة محاسبية معمقة لتلك الشركات، خلصوا إلى أن “الشركات المملوكة للدولة تلعب دورًا سلبيًا في توزيع الدخل.”

فما الذي يولد النمو الاقتصادي إذن؟ يدعي أنصار مدرسة الدولة التنموية، كما يلخص ستيفن هاغارد، أن “آليات النمو الأساسية هي من جهة تراكم رأس المال، ومن جهة أخرى القدرة على توجيه الاستثمار إلى القطاعات ذات الكفاءة الديناميكية.” لكن هل التنمية الاقتصادية حقًا تتمحور أساسًا حول تراكم وتخصيص رأس المال؟ لينين كان يعتقد ذلك، ونعرف كيف كانت النتائج.
” فلو كان تراكم رأس المال الانتقالي هو المصدر الأساسي للفروق في النمو، لكان من المفترض أن تكون معدلات العائد على رأس المال مرتفعة جدًا في البداية لدى الدول. لكنها ليست كذلك. ولو كان الأمر كذلك، لكانت الدول الفقيرة التي تعاني من نقص في رأس المال تنمو بوتيرة أسرع من الدول الغنية. لكنها لا تفعل. ولو كان تراكم رأس المال هو العامل الحاسم، لكانت رؤوس الأموال المالية تتدفق من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة للاستفادة من العوائد العالية. لكنها لا تفعل ذلك.”
النمو المستدام يعتمد على الابتكار، لكن المستبدين ليسوا جيدين في رعايته. المجتمعات الحرة والمنفتحة، التي تتمتع بعمليات سياسية ديمقراطية للاختيار الجماعي، وآليات السوق للاختيار الفردي، هي الأفضل بكثير. فالأنظمة الاقتصادية المبتكرة تستند إلى مبدأ الحرية، أي أن بإمكان الأفراد الابتكار دون الحاجة إلى إذن. المجتمعات الحرة والمنفتحة التي تسمح للناس بالتعبير عن آرائهم ومساءلة الحكمة التقليدية هي التي تتفوق في الابتكار، وليس الأنظمة الاستبدادية.
نعم، هناك بعض الاستثناءات، مثل تقنيات تقويم القرنية الشعاعي) التي تُجرى اليوم بالليزر وتعرف باسم (LASIK، التي اكتُشفت في الاتحاد السوفيتي الاستبدادي بشدة، لكن هذه الحالات تقدم دعمًا ضعيفًا لمزاعم أن الأنظمة الاستبدادية أكثر ملاءمة للتنمية من الديمقراطيات.

فالاستبداديون غالبًا ما يستخدمون سلطتهم لخنق الابتكارات التي تهدد التوزيع القائم لرأس المال والمصالح المرتبطة به، بدلاً من دعم الابتكارات المزعزعة التي لا يمتلكون الخبرة لتقدير فائدتها. إنه افتراض الحرية، بما في ذلك حرية التنافس مع اللاعبين الراسخين (سواء كانوا شركات أو سياسيين)، هو الذي يجعل النظام الاقتصادي مبتكرًا، وليس المستبدون وجنودهم الأقوياء.

بقلم توم ج. بالمر، نائب الرئيس التنفيذي للبرامج الدولية، شبكة أطلس؛ وزميل أول بمعهد كاتو

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://www.cato.org/commentary/no-autocracies-dont-make-economies-great

Read Previous

التنمية الاقتصادية هي التي ستسد الفجوة بين الجنسين

Read Next

التنمية البشرية في العالم العربي: أسئلة مضنية