• نوفمبر 2, 2025

نقص تحمّل المسؤولية الفردية وراء فشل السياسات العامة

بعد مرور ثلاثين عاماً، يصعب اليوم أن نحمّل الماضي – ما قبل مرحلة الانتقال السياسي – مسؤولية أيٍّ من المشكلات العامة الراهنة بجدّية. فكلٌّ منّا بدأ حياته من نقطة مختلفة: أسرٌ متباينة، ومدارس متباينة، وبيئات ثقافية مختلفة، واستعدادات شخصية متنوّعة. ومهما كانت مواهبنا الفطرية أو ظروفنا الأولية، فإنها ليست سوى نقطة الانطلاق. بعد ذلك، تقع علينا نحن مسؤولية استخدام هذه المواهب، وكيفية تعاملنا مع من حولنا، وطريقتنا في مواجهة العقبات التي تعترضنا في الحياة.
إنّ معظم مشكلات عالمنا المعاصر تنبع من الفشل في تحمّل المسؤولية الشخصية عن الأفعال الفردية. فلا المعلّمون ولا الجيران – وبالتأكيد ليس الحكومة – قادرون على تحويل الإنسان إلى شخص صالح. فذلك، في نهاية المطاف، شأنٌ فرديّ ومسؤولية شخصية. كم من شخصين نشآ في الحي نفسه أو حتى في الأسرة نفسها، لكنّ كلاً منهما اختار مسارا مختلفاً في الحياة!
ومن أمراض عصرنا أيضاً شهوة الحصول على شيء دون مقابل. ومن أكثر العبارات سذاجة في الاقتصاد القول إنّ “الاستهلاك يمثّل 70% من النشاط الاقتصادي”. إذ إنّ النسبة الحقيقية أقرب إلى 100% إذا استبعدنا الهدر، لكن السؤال الأهم هو: “ماذا يُنتَج؟ ولأي غرض يتم تبادله؟” فكل ما نستهلكه لا بدّ أن يكون قد وجده أحدهم وطوّره وأنتجه، سواء كان مادياً أو معنوياً. ولئن كان من الصحيح أنّ “أجمل الأشياء في الحياة مجانية”، فإنّ كلّ ما عداها يتطلّب جهدًا وعملًا — خاصة تلك الأشياء التي تُبقي على حياتنا.
وكما في سائر شؤون الحياة، فإنّ العمل يحتاج إلى الوقت. فـالازدهار الفوري مرغوب بشدة، لكنه نادر الحدوث في التاريخ الاقتصادي لأي أمة. فالعمل والإنتاج والتعلّم أمور تتطلّب زمناً. إذ لا يكفي أن نُنتج؛ بل علينا أن نتعلّم كيف نُنتج، وأن نكتشف ما ينبغي إنتاجه. بعض المعارف يستغرق زمناً أطول، وبعض الناس أسرع تعلّماً من غيرهم، لكنّ ذلك هو سبيل النموّ. فبدون التعلّم نظلّ راكدين – كأفرادٍ وكجماعاتٍ وكاقتصادات.
ولا أحد منّا يعلم كلّ شيء، لكنّ كلّاً منّا يعلم شيئاً ما. ومعظم ما نعلمه اكتسبناه من غيرنا. ففي ملاعب الطفولة وساحات المدارس تعلّمنا من أقراننا، غير أنّ أهمّ ما اكتسبناه جاء من كبارنا. فمن خلال التنشئة الثقافية تعلّمنا كيف نتصرف، ومن التدرّب العملي (أو الوظيفة الأولى المتواضعة) تعلّمنا كيف نعمل، ونتعاون، ونقود.
وفي كلّ جهدٍ جماعي — كإدارة عمل أو مشروع — نعلم أن من المهم اختيار القائد المناسب، تمامًا كما يتم اختيار من يشغلون المناصب العليا في أي هيكل إداري بناءً على معرفتهم، وإبداعهم، وخصالهم الشخصية التي يضيفونها للمسعى المشترك. وعندما يُفسد أو يفشل نظام الاختيار، يفشل الجهد الجماعي بأكمله. فالقيود التعسفية التي تفرضها الحكومات على من يمكنه العمل مع من، تحدّ من قدرتنا على التعاون والتعلّم. ومهما كانت نوايا تلك القيود حسنة، فإن البرامج ذات الأسماء الإيجابية مثل التمييز الإيجابي (Affirmative Action) أو تمكين السود اقتصاديًا (BEE) تأتي دائمًا بتكلفة. فـالترقية قبل التعلم تعني نموًا مفقودًا — فرديًا وجماعيًا على حد سواء.
سواء كان ذلك من خلال المحسوبيات أو عبر التمييز الرسمي، تبيّن لنا بالتجربة أنّ المهندسين والمديرين ليسوا سواء، ولا يمكن استبدال أحدهم بالآخر دون خسارة. لكنّ خبراء السياسات العامة الذين يتجاهلون هذه الحقيقة، والسياسيين الذين يتصرّفون بناءً عليها، ينتهون إلى نتائج ملموسة: انقطاعات في الكهرباء، وطرقات محفّرة، وركود اقتصادي، وسيلٍ لا ينقطع من الأعذار.
وفي دراسة حديثة للباحثين مورني مالان من «مؤسسة السوق الحر» وثيونس دو بيسون من «معهد أبحاث التضامن»، قُدِّرت كلفة الامتثال لسياسة «التمكين الاقتصادي الواسع النطاق للسود» بأنّها اقتطعت ما بين 2 و4% من الناتج المحلي الإجمالي لجنوب أفريقيا في عام 2024، وضياع أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة.
وكما هو متوقّع، ردّ بعض النقّاد بأنّ الباحثين قد بالغوا في تقدير الكلفة، وبأنّ الفوائد تستحقّ التضحية. غير أنّ مثل هذا القول يبدو قاسياً في بلدٍ تجاوزت فيه نسبة البطالة الرسمية 30%. فالكلفة شاملة، لكن الفوائد ليست كذلك. إذ إنّ دائرة المستفيدين ضيّقة مقارنةً بحجم الشعب، ولا يرتقي أحدٌ فعلاً عندما تكون الخطة مبنيّة على تقييد علاقات المنافسين غير السود – سواء كانوا مالكين أو مديرين أو مرشدين أو عمّالاً جدداً.
وعندما يقول أنصار هذه السياسات إنّ «علينا تسوية أرض الملعب»، فإنّهم يخلطون بين الحياة واللعبة. فهؤلاء الأيديولوجيون يرون الحياة صراعاً، بينما نراها – في ثقافة الازدهار – تعاوناً متبادلاً يحقّق المنفعة للجميع.

بقلم ريتشارد ج. غرانت – أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة كمبرلاند، تنيسي، ومستشار أول لمؤسسة السوق الحر

لمطالعة النسخة الأصلية انقر هنا.
https://freemarketfoundation.com/personal-responsibility-vs-policy-the-true-cost-of-bee/

Read Previous

الديمقراطية والرأسمالية: علاقة تعاضد لا تعارض