اوليفر مارك هارتويتش*
ترجمة علي الحارس
كان الثامن من يوليو الفائت يوما لطيفا في حياة الشعب الألماني، وليس ذلك لأنه يصادف عيد ميلاد كاتب هذه السطور أو بسبب ما شهده هذه اليوم من فوز ساحق للفريق الألماني على نظيره البرازيلي (7-1) في كأس العالم لكرة القدم، وإنما لأنه كان يصادف يوم (الحرية من الضرائب) في ألمانيا، فحتى ذلك الموعد كان من المفترض نظريا على كل ما يجنيه الفرد الألماني من دخل طوال العام أن يتعرض لجباية الضريبة من قبل الحكومة، أما في هذا اليوم فيمكن للألمان أن يبدؤوا حقا بجني المال لأنفسهم خلال ما تبقى من العام.
يجري حساب تحديد يوم (الحرية من الضرائب) بالاعتماد على عدد من مراكز الأبحاث حول العالم، ويقع تحديد النسخة الألمانية على عاتق (اتحاد دافعي الضرائب)، وللاحتفال بهذا اليوم تقوم مجموعة حشد الضغط السياسي هذه بإصدار بحث قصير لا يكتفي بوضع يوم (الحرية من الضرائب) في سياقه التاريخي فقط، وإنما يقدم أيضا بعض المقارنات العالمية المفيدة.
إن أكثر ما يثير الانتباه في مسيرة تطور مستويات الضريبة في ألمانيا هو ما تمتعت به من ثبات ملحوظ مع مرور العقود، ففي الستينيات الماضية كانت الضرائب تشكل (28.2%) من إجمالي الناتج الوطني، أما اليوم فقد وصلت النسبة إلى (31.5%)، وخلال هذه المدة حدثت تقلبات في النسبة لكنها كانت تقلبات معتدلة.
وعلى الرغم مما سبق، فإن الضرائب الحقيقية لا تشكل غير جزء من القصة، وإلا لكان يمكن الاحتفال بيوم (الحرية من الضرائب) في أبريل، لكن الأمر الذي تعرض إلى تغير جذري هو إسهامات دعم منظومات الحماية الاجتماعية، فهذه الإسهامات ربما لا تدعى ضرائب لكنها لا تختلف عن الضرائب أبدا على الصعيد الفعلي؛ ففي ألمانيا تتضمن إسهامات الحماية الاجتماعية مبالغ مالية إجبارية للتأمين الصحي، وتأمين رعاية المسنين، وتأمين المعاشات التقاعدية، وتأمين البطالة، والتأمين ضد الحوادث؛ وقد وصلت قيمة إجمالي هذه الإسهامات لوحدها في العام 1960 إلى (12.1%) من إجمالي الناتج الوطني، لكنها ارتفعت في ما بعد لتبلغ في يومنا هذا (20%).
فإذا أضفنا نسبة الضرائب (31.5%) إلى نسبة إسهامات الحماية الاجتماعية (20%) فسيصل العبء الإجمالي الذي يتحمله الناتج الوطني إلى (51.5%)، ويمكننا أن نلجأ إلى شيء من التهكم هنا فنصف الوضع بأنه (نصف اشتراكية)، فالحكومة تأخذ أكثر من نصف ما يجنيه الألمان، لكن هذا هو الحال أيضا في معظم دول الرعاية الاجتماعية الحديثة. ولا بأس في أن نتخذ ألمانيا كمثال واضح لهذا الأمر، ففي الواقع، ليست ألمانيا حالة استثنائية على الإطلاق عندما ننظر إليها ضمن السياق الأوروبي.
لقد شهدت معظم البلدان الأوروبية نموا مشابها في (دولة إعادة التوزيع)، ويمكن القول على الصعيد العملي بأن كل أوجه التمدد الحكومي لم تكن مدفوعة بدافع زيادة الخدمات التي تقدمها الحكومة، وإنما بدافع تعزيز عملية إعادة توزيع الدخل، وتمثلت النتيجة في قطيعة ملحوظة بين إجمالي الدخل وصافي الدخل، وهو أمر يصعب تخيله من منظور الحال في أستراليا ونيوزيلندا.
فبالاستناد إلى بيانات منظمة التنمية والتعاون الدولي قام (اتحاد دافعي الضرائب) الألماني بحساب الفرق بين إجمالي الأجور وصافي الأجور الذي يصب في جيب العامل الألماني، وأخذ بالحسبان تأثير ضرائب القيمة المضافة. وكانت النتيجة أن كل فرد مكتسب للدخل وفقا لمتوسط الدخل الوطني يتحمل عبئا ضريبيا يبلغ (21.9%) في نيوزيلندا و(30.4%) في أستراليا، وهما رقمان يقلان بكثير عن أمثالهما في أوروبا، حيث تتصدر بلجيكا قائمة الحكومات الافتراسية بعبء ضريبي يبلغ (59.1%)، تليها هنغاريا (54%)، ثم ألمانيا (53.1%)، وفي معظم الاقتصادات الأوروبية الكبيرة تزيد هذه النسبة عن (40%) كثيرا.
أما العبء الضريبي الذي تتحمله الأسر التي تتضمن فردين عاملين يجنيان الدخل وطفلين اثنين فهي أقل من ذلك نوعا ما، لكن ذلك لا يمنع من أن يتراوح العبء الضريبي في أوروبا من (47%) في اليونان إلى (29.4%) في بريطانيا، وهنا أيضا تقل الأرقام الواردة من أستراليا (23.2%) ونيوزيلندا (15.5%) كثيرا عن أمثالها في أوروبا، ومن هذه المقارنة يتبدى لنا أن الأوروبيين يعملون أكثر عند جابي الضرائب عند المقارنة مع سكان أستراليا ونيوزيلندا الذين يتمتعون بحرية أكبر في التمتع بثمار عملهم.
إن هذه الفروق البارزة في نسب الضرائب تمتلك تأثيرا يؤدي إلى تسوية منسوب صافي الدخل على الرغم من الفروق الكبيرة في تكاليف العمل؛ وهنا أيضا يقدم التقرير بعض الحسابات المفيدة، ففي ما يتعلق بكل فرد يجني دخله وفقا للمتوسط الوطني للأجور، يبين لنا الجدول التالي تكاليف توظيف هذا الشخص ومقدار الدخل الصافي الذي يكسبه.
ربما يبدو من غير المألوف أن تكون بلجيكا البلد الذي يسجل القيمة الأعلى من تكاليف توظيف عامل ذي أجر متوسط ثم نراها في الوقت نفسه لا تحرز غير المرتبة الخامسة عشرة في صافي الأجر الذي يحصل عليه العامل. وعلى نحو مشابه، ربما يبدو هنالك فرق هائل بين تكاليف العمل في ألمانيا ومثيلتها في نيوزيلندا (69,000$ مقابل 36,000$)، لكن الضرائب الأقل كثيرا في نيوزيلندا تجعل هذا الفرق يتلاشى تقريبا عندما يتعلق الأمر بصافي أجر العامل (35,000$ مقابل 30,000$)، ويمكننا أن نقوم بمقارنة مماثلة بين أستراليا ونيوزيلندا، فعلى الرغم من الفروق الكبيرة بينهما في إجمالي تكاليف التوظيف، ليس هنالك فروق مماثلة بين صافي الأجور في البلدين، وتجب الإشارة هنا إلى أن تعديل الأرقام بحسب القوة الشرائية للدولار الأمريكي ربما يلعب دورا ما في إغلاق هذه الفجوة.
إن دافعي الضرائب في أوروبا ينظرون حتما بعين السخط إلى الفارق بين إجمالي الأجر وصافي الأجر، لكن ذلك يجب أن يكون سببا يدفع إلى المزيد من القلق، فالمجتمعات المسنة في أوروبا يرجح أن ترتفع فيها إسهامات تمويل المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية في المستقبل، وفي الوقت نفسه ستجعل العولمة من الأصعب تقديم تبرير للارتفاع الاستثنائي في تكاليف التوظيف في أوروبا.ربما يبدو من غير المألوف أن تكون بلجيكا البلد الذي يسجل القيمة الأعلى من تكاليف توظيف عامل ذي أجر متوسط ثم نراها في الوقت نفسه لا تحرز غير المرتبة الخامسة عشرة في صافي الأجر الذي يحصل عليه العامل. وعلى نحو مشابه، ربما يبدو هنالك فرق هائل بين تكاليف العمل في ألمانيا ومثيلتها في نيوزيلندا (69,000$ مقابل 36,000$)، لكن الضرائب الأقل كثيرا في نيوزيلندا تجعل هذا الفرق يتلاشى تقريبا عندما يتعلق الأمر بصافي أجر العامل (35,000$ مقابل 30,000$)، ويمكننا أن نقوم بمقارنة مماثلة بين أستراليا ونيوزيلندا، فعلى الرغم من الفروق الكبيرة بينهما في إجمالي تكاليف التوظيف، ليس هنالك فروق مماثلة بين صافي الأجور في البلدين، وتجب الإشارة هنا إلى أن تعديل الأرقام بحسب القوة الشرائية للدولار الأمريكي ربما يلعب دورا ما في إغلاق هذه الفجوة.
إن هذه الأنباء لن تكون سارة لما سيأتي في المستقبل من أيام (الحرية من الضرائب) في ألمانيا وبقية أنحاء أوروبا، إذ سيكون من الواجب اتخاذ بعض قرارات صعبة من أجل إبقاء هذه الأيام في مواعيدها الراهنة، ناهيك عن أي أمر آخر.
وفي غضون ذلك، ربما يكون هنالك بعض العزاء لسكان أستراليا ونيوزيلندا عندما ينظرون إلى حال الأوروبيين، أما في ما يتعلق بالألمان فلا شك في أنهم يشعرون بأنهم يدفعون ضرائب مفرطة، لكنهم يتبوءون موقعا محظوظا عندما يلاحظون بأن القسم الأكبر من أجورهم تصب في جيوبهم، لا في جيوب الحكومة، ولذلك يجب عليهم أن يعملوا كي تبقى الأمور على هذه الحال.