ترتبط قصة نجاح بوتسوانا ارتباطًا وثيقًا بقوة مؤسساتها السياسية والاقتصادية، التي جعلت منها الدولة الأكثر ازدهارًا في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
عندما نتحدث عن التحسن الكبير في مستويات المعيشة خلال العقود الأخيرة، ننسى عادةً أن هذا التحسّن لم يكن متساويًا بين جميع مناطق العالم. ففي حين شهدت آسيا نموًا اقتصاديًا هائلًا، كانت إفريقيا هي القارة الأقل استفادة من النظام الرأسمالي العالمي. ومع ذلك، لا يعني هذا أن مستويات المعيشة في إفريقيا لم تتحسن على الإطلاق؛ فمنذ عام 1990 تراجعت نسبة الفقر المدقع في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بشكل ملحوظ، وارتفع متوسط العمر المتوقع بأكثر من عشر سنوات.
لكن بالمقارنة مع بقية العالم، ما تزال إفريقيا متأخرة في التنمية البشرية والاقتصادية. وكما يشير يوهان نوربرغ في كتابه الرائع التقدم: عشرة أسباب تدعونا للتفاؤل بالمستقبل، فإن اقتصاد شرق آسيا تضاعف حجمه بين عامي 1981 و2000، بينما ظل الاقتصاد الإفريقي شبه راكد. ورغم هذا التخلّف الاقتصادي العام لأفريقيا، تمكنت بعض الدول الإفريقية من تحقيق نسب نمو وازدهار اقتصادي ملحوظ، وتعد بوتسوانا من أبرز هذه الحالات الفريدة.
التحول المذهل في بوتسوانا
عندما نالت بوتسوانا استقلالها عن بريطانيا عام 1966، كانت واحدة من أفقر دول العالم. يذكر الاقتصاديان دارون عجم أوغلو وجيمس روبنسون، مؤلفا كتاب لماذا تفشل الأمم، أن الدولة كانت تمتلك حينها “اثني عشر كيلومترًا فقط من الطرق المعبدة، واثنين وعشرين مواطنًا يحملون شهادة جامعية، ومئة شخص فقط أنهوا التعليم الثانوي.”
أما اليوم، فتمتلك بوتسوانا أعلى دخل للفرد (بعد تعديله بالقوة الشرائية) في المنطقة، وهو مستوى يقارب دولًا مثل كوستاريكا أو المكسيك. والأهم من ذلك أن النمو الاقتصادي فيها كان شاملًا؛ إذ انخفضت نسبة الفقر من 34.8% عام 1993 إلى 16.1% عام 2016
وعلى النقيض من ذلك، نجد أن زيمبابوي، المجاورة لبوتسوانا من الغرب، تُعد من أفقر دول إفريقيا. ففي عام 1990 كان دخل الفرد في بوتسوانا يعادل ثلاثة أضعاف نظيره في زيمبابوي، أما اليوم فهو أعلى بثمانية أضعاف.
كيف تمكنت بوتسوانا من الخروج من فخ الفقر؟ وما الذي يميزها عن جيرانها الأقل نموًا مثل زامبيا وزيمبابوي؟
مؤسسات قوية ويقظة مستمرة
يؤكد عجم أوغلو وروبنسون أن السر يكمن في جودة مؤسسات بوتسوانا السياسية والاقتصادية.
ففي أعقاب الاستقلال، نجح حزب بوتسوانا الديمقراطي في إنشاء مؤسسات قوية تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وبوتسوانا اليوم ديمقراطية راسخة تُجرى فيها انتخابات حرة منذ عام 1966. كما يصنفها مؤشر مدركات الفساد باعتبارها أقل الدول فسادًا في إفريقيا، إذ يبلغ تقييمها ضعف المتوسط الإقليمي لدول إفريقيا جنوب الصحراء.
أما من الناحية الاقتصادية، تُعد بوتسوانا ثاني أكثر اقتصاد حر في إفريقيا بعد موريشيوس، بفضل بيئة تنظيمية سليمة وبـ احترام معقول لسيادة القانون، مما يسهل ممارسة الأعمال ويشجع الاستثمارات الأجنبية. إضافة إلى ذلك، فإن القيود التجارية منخفضة نسبيًا، فيما نجحت الحكومات المتعاقبة في ضبط المالية العامة.
إن نجاح بوتسوانا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقوة مؤسساتها السياسية والاقتصادية، التي جعلت منها أكثر دول إفريقيا جنوب الصحراء ازدهارًا. ومع ذلك، فالمؤسسات ليست أبدية؛ إذ يمكن أن تتعرض للتآكل إذا لم يقم المجتمع المدني بدوره في مراقبة الحكومات ومحاسبتها على أفعالها. وبالفعل في السنوات الأخيرة، شهدت بوتسوانا بعض التراجع الديمقراطي وتدهورًا في حماية حقوق الملكية — وهي إشارات تحذيرية تذكّرنا بخطر التراخي وبأن الحفاظ على جودة المؤسسات هو شرط أساسي لاستمرار الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي.
لويس بابلو دي لا هورا، كاتب ومتعاون مع معهد الشؤون الاقتصادية (IEA) ومؤسسة التعليم الاقتصادي (FEE) وموقع SpeakFreely.today.
https://fee.org/articles/how-botswana-became-one-of-africas-wealthiest-nations